تُعدُّ الأسئلة التي تواجه الأهل عند اكتشافهم أن ابنهم يعاني من الاضطرابات النفسية من القضايا المعقدة والتي تتطلب تفكيرًا عميقًا. يتساءل الأهل هل يجب عليهم التحدث عن الأمر، وما هي الطريقة المثلى للقيام بذلك؟ هل ينبغي إشراك باقي أفراد العائلة أم إخفاء هذه المسألة عنهم؟ هل ينبغي عليهم تقبل الوضع الراهن، أم يتوجب عليهم بذل الجهود الحثيثة من أجل دفع ابنهم نحو التقدم والتعافي؟ وما التوقعات التي ينبغي أن يستعدوا لها؟
يُعتبر وجود فرد مضطرب نفسيًا في العائلة مسألة معقدة تمتد آثارها لتشمل جميع أفراد العائلة، وبالأخص الوالدين. يتمحور التعقيد في هذه المسألة حول شعور القلق والخوف من المستقبل. وللأسف، يفتقر الكثير من العائلات إلى المعرفة اللازمة حول كيفية العناية بالصحة النفسية، مما يجعل التحدي الذي يواجهونه صعبًا ويتطلب منهم بذل جهود مضاعفة للتكيف مع الوضع.
يُشكل التحدي الأكبر الذي يواجه العائلة هو كيفية إشراك الأقارب والمعارف في الواقع القاسي المتمثل في وجود ابن مضطرب نفسيًا. من جهة، تُعتبر القضية في غاية التعقيد، حيث لا يمكن إخفاء معاناة أحد أفراد العائلة عن بقية الأفراد والأصدقاء. ومن جهة أخرى، من المحتمل أن يلاحظ هؤلاء السلوكيات والأعراض المميزة التي تصاحب الاضطراب النفسي، مما يؤدي إلى طرح العديد من الأسئلة الشائكة حول سلوك هذا الفرد.
توجد تفاوتات كبيرة بين العائلات المختلفة التي تواجه وجود فرد يعاني من مشاكل نفسية، حيث تتباين طرق التعامل مع هذه المشكلة تبعًا لطبيعة العائلة واحتياجات أبنائها وقدراتهم. فبعض العائلات قد تفضل إشراك المقربين في هذا “السر” على أمل الحصول على الدعم الذي يحتاجونه، بينما تفضل عائلات أخرى إخفاء الأمر خوفًا من ردود الفعل التي قد تأتي من المجتمع، مما قد يؤدي إلى تآكل العلاقات مع المحيط.
ومع ذلك، فإن إشراك المعارف والمقربين في هذا الموضوع قد يساهم في تخفيف شعور الذنب والخجل لدى الأسرة. إذ أن الكشف عن معاناة ابنهم يساهم في تقبل المجتمع لهم بشكل طبيعي، ما يخفف من الضغوط النفسية. كما يتيح لعائلته الحصول على الدعم من المحيط، لكن لا تزال هذه المسألة تتوقف على طبيعة الشخص الذي يتم إبلاغه ومدى قدرة الأسرة على إيجاد توازن بين الانفتاح على المحيط والحصول على المساعدة المناسبة.
بالإضافة إلى ذلك، تواجه العائلة تحديًّا آخر يتعلق بمدى ضرورة إخبار باقي أفراد العائلة، وخاصةً الأطفال، بحقيقة مرض أحد أفرادها النفسي. يمثّل هذا التحدي عملاً دقيقًا، نظرًا لما قد يتطلبه من إشراك الأطفال في موضوع قد يؤدي إلى ارتباك داخل الأسرة. كما يُثير السؤال المتعلق بكيفية إبلاغ الأطفال الصغار بالأمر.
ينصح بعض الأطباء بالاستعانة بالمساعدة والإرشاد لتحديد الوقت المناسب وكيفية التقديم على هذا الموضوع، بهدف تجنب كشف المعلومات بصورة مربكة قد تؤدي إلى تفهم الأطفال بشكل غير صحيح لطبيعة الاضطراب. كما يُعتبر من الضروري تقييم إمكانية توزيع المهام في المنزل بما يتماشى مع الوضع الجديد.
بصفة عامة، إذا قررتم الكشف عن هذا الأمر سواء لمعارفكم أو لأطفالكم، يُستحسن مراعاة رغبة الابن المضطرب نفسيًا في الكشف عن حالته. فهو يدرك غالبًا أن المجتمع قد لا يكون متسامحًا بشأن حالته، ويفضل عدم معرفة الآخرين، بما في ذلك الأطفال، لكي لا يتسبب في إثارة ذعرهم. في المقابل، قد يسعى الأهل لكشف الأمر لتجنب الضغط الناتج عن إخفاء السر. في مثل هذه الحالات، من الأفضل التفكير في مصلحة الابن ومعرفة ما هو الأفضل للعائلة ككل، حتى لا تتعقد الأمور أكثر.