العِبَارة الِتي بَين أيْدِينَا وَهِي “كما تدين تدان” يَتَردّد بِها الكَثِير مِن البَاحِثين عَن التعرّف عَلى تَفَاصيل مِثل هَذَا الأمر حيثُ وَبِلَا شك فإن موضوع التفصيل للعبارات المذكورة سواء أكانت من العبارات التي ذكرها السلف الصالح او تلك التي ذكرها العلماء أو أي شَخْص كَانت مهمة ونسعى للتعرّف على كُل تَفْصِيلاتِها إِذ أنّها مهمّة للغاية ودوريّة التَجديد فِي الّتَناول بعد أن يكون هناك تحديث أو علم جديد بها، ومثل هذا ينطبق بالتمام مع إشكالية عبارة كما تدين تدان التي باتت تؤثر في الكثير من الأفراد، فما يا ترى تفصيل وتحليل عبارة كما تدين تدان التي يتداولها الكثير من الشيوخ والكثير من العلماء والكثير من الكتاب والعديد والعديد من المربيين وغير ذلك.

مقدمة عن ما معنى ومقصد كما تدين تدان:

نَبْتَدِئ الحَدِيث عَن كما تدين تدان بقولنا ما يلي: بسم الله والحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد . . نَتَحَدّث إليكم في موضوعنا اليوم عن ماهو معنى كما تدين تدان .

ويَأْتي معنى “كما تدين تدان” بالتأكيد على أن ما تفعله اليوم سوف يرد إلك . كما تَدِينُ تُدان أَي أنك سوف تُجازي بفعلك بحسب ما عملت، فكما تَفْعَلَ سوف ُفيْعَل بك .

الحمد لله على نعمة الإسلام، وأن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً، كما يحاسب كل إنسان على ما عمل :”فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)” . كما ورد في سورة الكهف ” وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)” .

ما معنى كما تدين تدان:

والمَعْنَى التَّفْصِيْلِي فِي هَذه الفَقرة من تحليل كما تدين تدان مهمة حيثُ إن كما تدين تدان، أو الجزاء من جنس العمل، وهي حكمة بليغة والتي تناقلها الناس قديماََ، وجاءَت العديد من الشواهد من كلا من الكتاب والسنة للدلالة على صدقها، فهي سنة كونية جعلها الله سبحانه وتعالى عظة وعبرة للناس .

وفي قوله تعالى “هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ” سورة الرحمن – الآية 60

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
“البِرُّ لا يَبْلَى، وَالِإثْمُ لَا يُنْسَى، وَالدَّيَّانُ لَا يَمُوتُ، فَكُن كَمَا شِئتَ، كَمَا تَدِينُ تُدَانُ ” عن الحافظ ابن حجر “فتح الباري” (13/466)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع .

وعن مالك بن دينار قال : مكتوب في التوراة ( كَمَا تَدِينُ تُدَانُ، وَكَمَا تَزرَعُ تَحصُدُ ) – رواه الخطيب البغدادي في “اقتضاء العلم العمل” (98)

قال ابن قتيبة رحمه الله : ويقولون “كما تَدِينُ تُدان” أي: كما تَفعل سوف يُفعل بك، وكما تعمل سوف تُجازِي .

يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى : “وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” المائدة – الآية 38

وفي صدد التعريف والتنقيب عن عبارة كما تدين تدان نرى أنه كما ورد في كتاب الله سبحانه وتعالى مابين الأجور والثواب على بعض الأعمال مايتناسب مع (كما تدين تدان)، ومن ذلك :

وقوله سبحانه : “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” سورة النور – الآية 22

وقوله تعالى : “فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ” سورة البقرة – الآية 152

وقوله سبحانه : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” سورة محمد – الآية 7

وقوله تعالى : “وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ” سورة البقرة – الآية 40

وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
“المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسْلِمُه، مَن كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنهُ بِهَا كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ” رواه البخاري (2442) ومسلم (2580)

وفي القاعدة الشرعية، نجد أن كل إنسان رهنٌ بما اكتسب، وبما فعل ولا يحمل أحد وزر غيره، وكما ذكر في سورة الأنعام:” قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)” .

وفي سورة الإسراء:” مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)” .

وفي سورة فاطر :”وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)” .

وفي سورة الزمر :”إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)” .

وفي سورة النجم :”أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى (41)” .

 

والخلاصة مع عبارة كما تدين تدان:

نعتقد بأن ما سبق ذكره سالفاََ في عبارة كما تدين تدان مُهِم لأن المَعْنَى وَاضح في أن من يعمل صالحاً يجازى بمثله ومن عمل سيئاً سيجازى بنفس العمل، فلا تخشي من أن يدور الزمان ويعاملك كما فَعَلت في دنياك .