قبل الخوض في غمار شرح قصيدة سرنديب لمحمود سامي البارودي لابُدّ لنا من إشارة قويمة وهي أن تحليلات القصائد تتمّ دومًا من منظور نقدي بنّاء يقوم على تبيان الإيجابيات ومدحها وإبرازها، وكذلك استعطاف السلبيات والأخطاء وتوضيحها وذلك من أجل التعرف عليها والتخلص منها بطرق أكثر إيجابية، وهناك مدارس عديدة للنقد البناء الذي يخص الاعمال الأدبية والفنية كذلك، ولنعلم ها هنا بأن شأن شرح قصيدة سرنديب لمحمود سامي البارودي واحد من الشؤون التي تخص الأعمال الأدبية التي نبرزها فيما يلي.

قصيدة سرنديب لمحمود سامي البارودي

محمود سامي البارودي كان قد طرح قصيدة من اجمل القصائد وهي قصيدة “سرنديب” التي يظهر فيها العديد من الكلمات العربية الاصيلة.

كفى بمقامي في ســــرنديب غربة ……. نزعت بها عنـــي ثياب العلائـــقِ
ومن رام نيل العزّ فليصطبر على……… لقاء المنايا واقتــــحام المضايــــــقِ
فإن تكــن الأيام رنّـقْـــن مشربــي ……وثلّمْـن حدّي بالخُطُـــــوب الطّوارقِ
فما غيّرتني محْنةُ عن خليقتـــــي ……ولا حوّلتني خُــدْعـــــةُ عن طرائقـي
ولكنّنــي باقٍ على ما يســـــــرٌني ….. ويُغضب أعدائي ويُرضــي أصادقي
فحســرةُ بعدي عن حبيبٍ مُصادق ….. كفرحة ِ بُعــــدي عن عدوِ مُمَــاذِ قِِ
فتلك بهـــــذي والنًجاة غنيمـــــــةُ …… من الناس، والدنيا مكيدة حـــــــاذقِ
ألا أيــــها الـــــزّاري عليّ بجـهله……ولم يدرِ أنّـــي دُرًةُ في المفـــــــارقِ
تعـــزّ عن العليــاءِ باللؤم واعتزل….. فإنً العُــلا ليســتْ بلغــــو المناطقِ
فما أنا ممّنْ تقبل الضيْم نفســـــــه ….. ويرضى بما يرضــــى به كل مائقِ
إذا المرء لم ينهضْ بما فيه مجدُهـ…. قضى وهو كَلٌ في خُـــــدُورِ العوائقِ
وأيٌ حيــــــــاةٍ إنْ تنكًرَتْ ….. له الحال لم يعقــــــــدْ سيُور المناطقِ
فما قذفاتُ العِــــــــــزْ إلّاـ لماجـد…..إذا هَمّ جــــــــــلّى عزمــه كلّ غاسقِ
يقول أُناسُ : إنني ثُــرْتُ خالعــاً…. وتلك هَنــــاتُ لم تكْــــن من خلائقـــي
ولكنني نــــاديْتُ بالـعدلِ طالبــاً ….. رضا اللهِ واستنهضْتُ أهل الحقائـــقِ
أمرتُ بمعروفِ وأنكرْتُ مُنكَرا….. وذلك حكـــــمٌ في رقاب الخلائــــــــقِ

من هو محود سامي البارودي

نقف في محطتنا الحالية عند الشاعر الذي طرح القصيدة والنص السابق لنتعرف عليه عن قرب وذلك لإسهال عملية فهم مقاصده من القصيدة، ليتضح ان هذا الشاعر  ولد في مصر في أسرة من أصل جركسي ذات جاه وثروة، وكفلته أمه بعد وفاة والده، وقامت على تربيته وتعليمه، وكانت الثقافة الإسلامية وقراءة الشعر من اهتمامات أسرة البارودي، فاتصل بالشعراء القدماء في سن مبكرة اتصالا قويا أثر في مزاجه وخياله وعقله وقلبه، وممن أثر في شعر البارودي اتصاله بالشيخ حسن المرصفي صاحب كتاب (الوسيلة الأدبية) فكان موجها له، ومشجعا لموهبته، تعددت العوامل المؤثرة في شعره فقد قرأ في الآداب التركية والفارسية وأخيراً في الآداب الإنجليزية ولكن أكبر أثر لهذه الثقافات هو الأدب العربي القديم، لذا استطاع البارودي أن يكون رائدا لمدرسة الإحياء ورائدا لهذا التحول الذي طرأ على الشعر العربي الحديث.

تحليل قصيدة سرنديب لمحمود سامي البارودي

مجموعة من التحاليل التي تخص هذه القصيدة نجدها مع الشاعر محمود سامي البارودي حاضرة، وهذه القصيدة مطروحة في العديد من المناهج التعليمية.

  • البيت الأول: يصف الشاعر معاناته وضجره في سرنديب تلك الغربة التي قطعته عن أهله وأحبته.
  • البيت الثاني: يصبّر الشاعر نفسه قائلاً عليه نفسه لينال ما يريده لأن المجد لا يصل إليه إلا بالصبر على مواجهة الموت في شجاعة والتصدي للمصاعب.
  • البيت الثالث: يستمر الشاعر في مواساة نفسه موضحاً إن قست الأيام عليه وكدرت صفو حياته وأدى ذلك إلى ضعفه من كثرة المصائب والنكبات.
  • البيت الرابع: فكل المحن والنكبات لا تغير عن طبعه الأصيل ولم تحوله عن مذهبه ومبدئه.
  • البيت الخامس: وهو عازم على البقاء مبادئه ، واقفاً في وجه أعدائه مرضياً لأحبائه.
  • البيت السادس: فحزنه وألمه وحسرته لفراق أحبته وصحبه وتقابلها فرحة وسعادة ناتجة عن بعده عن أعدائه المنافقين الكاذبين.
  • البيت السابع: وهذه الفرحة تعادل تلك الحسرة ، وبذلك تكون النجاة والبعد عن الناس غنيمة ، والماهر الذكي هو الذي يستطيع أن يستفيد من الدنيا لصالحه.
  • البيت الثامن: ثم يوجه خطابه للائمين عليه لجهلهم بمكانته ولم يقدروه حق قدره ولم يعرفوا أنه كالجوهرة في جبين أمته وذلك بسبب الدفاع عنها والتضحية من اجلها.
  • البيت التاسع: يطلب من لائميه أن يبتعدوا عن العلياء بلومه وتأنيبه لأن العلياء لا تنال بالكلام الذي لا فائدة فيه.
  • البيت العاشر: يفخر الشاعر بنفسه فهو لا يقبل الظلم و لا القهر ويرفض ما يقبله كل أحمق غبي.
  • البيت الحادي عشر: ويقول إن المجد لا يأتي لقاعد متخاذل يعيش متكاسلاً متخاذلاً كالجواري في خدورهن.
  • البيت الثاني عشر: إذا تقلب الحال على المرء لا بد أن يعد نفسه ويحسب حسابه لمواجهة الصعاب.
  • البيت الثالث عشر: يذكر الشاعر أن العز والمكانة العالية لا تكون إلا لبطل همان يبحث عن المجد ويستطيع بإرادته أن يظهر الحق ويجلو الحقيقة.
  • البيت الرابع عشر: ويبين أن الناس قديماً عابوا عليه ثورته مع عرابي وهذا افتراء عليه و ليس صفة من صفاته.
  • البيت الخامس عشر: يرد الشاعر على هذا الافتراء قائلاً : ولكنه فعل ما فعل منادياً بالعدل يهدف إلى إرضاء الله واستنهاض حماة البلاد من أصحاب الحق.
  • البيت السادس عشر: وإنه يريد الأمر بالمعروف وإنكار المنكر وهذا واجب كل إنسان.