الدين الإسلامي الحنيف كان حاوٍ عَلى الكثِير من العَقائد الدينية التي لابُدّ من الاهتمام بها والوقُوف عليها، فنجدُ أنّه يشتمل تعريف الاسلام على ثلاث قضايا عقدية فما هي هذه العقائد، وما هي الثنايا التي مِن المُمكن أن نتعرّف عليها ونعلمُها بصدد التعريف الذي يطرحه الإسلام للقضايا العقائدية التي لا مفرّ مِنها ولا انتهاء، وتتلاحَق التعريفَات ما بين اللغة تارةً والإصطلاح تارةً أخرى، وفِي كُل مرّة نبحث عن تفصيل عبارة “يشتمل تعريف الاسلام على ثلاث قضايا عقدية فما هي” فكونوا معنا في تالي هذه السطور.
ما هي العقيدة الاسلامية
من الأمور المسلم بِها هُو أنّ العقيدة الإسلامية واحدة من القضايا الثابتة والتي لا تتغيّر على الإطلاق، إذ نجدُ أن العقيدة أو العقيدة الإسلامية والعقيدة في الإسلام وارد وأصل العقيدة في اللغة مأخُوذ من الفعل عقد، نقول عقد البيع واليمين والعهد أكّده ووثّقه، وعقد حكمه على شيء لزمه، ومنه الفعل اعتقد بمعنى صدّق، يقال اعتقد فلان الأمر إذا صدّقه وعقد عليه قلبه أي آمن به، ويفهم من هذا أن العقيدة في اللغة تأتي بمعنيين الأول: العقيدة بمعنى الاعتقاد، فهي التصديق والجزم دون شك، أي الإيمان. الثاني: العقيدة بمعنى ما يجب الاعتقاد به، ومن هنا يقولون الإيمان بالملائكة من العقيدة، أي مما يجب الاعتقاد به.
حيث ويطلق على ما يؤمن به مسلمو أهل السنة والجماعة من أمور التوحيد وأصول الإيمان. وأن تعلم العقيدة فرض عين على كل مسلم فقد قال الله عز وجل في سورة الزمر: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
وفي ذات السياق ولكن مع الإصطلاح على غرار اللغة فهي التصور الإسلامي الكلي اليقيني عن الله الخالق، وعن الكون والإنسان والحياة، وعما قبل الحياة الدنيا وعّما بعدها، وعن العلاقة بين ما قبلها وما بعدها. فالعقيدة تتناول مباحث الإيمان والشريعة وأصول الدين والاعتقاديات كالإيمان الجازم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وسائر ما ثَبَتَ من أُمور الغيب، وأُصول الدين، وما أجمع عليه السلف الصالح، والتسليم التام لله تعالى في الأمر، والحكم، والطاعة، والاتباع لرسوله، فالعقيدة الصحيحة هي الأساس الذي يقوم عليه الدين وتصح معه الأعمال. وهي الثوابت العلمية والعملية التي يجزم ويوقن بها المسلم، وجوهر العقيدة الإسلامية هو (التوحيد) حتى إن العلماء اتخذوه عنوانًا لعلم العقائد كلها، تنبيهًا على أهميته، وتذكيرًا بمنزلته، فالاعتقاد بوحدانية الله عز وجل وتنزيهه عن المثيل والشبيه والشريك، وأنه سبحانه المستحق للعبادة وحده دون سواه، هو أساس العقيدة الإسلامية والمحور الذي تدور حوله مبادئها وأركانها.
خصائص العقيدة الاسلامية
يوجَد في العقِيدة الإسلامية العديد من الخصائص التي جعلتها مُثمّنة الجمال وواضحة ولا لبس فيها على الإطلاق، حيث نسرد فيما يلي خصائص العقيدة والتي كانت كما يلي
- الوضوح فالعقيدة الإسلامية عقيدة واضحة لا غموض فيها ولا تعقيد، فهي تتلخص في أن لهذه المخلوقات إلها واحدا مستحقا للعبادة هو الله تعالى الذي خلق الكون البديع المنسق وقدر كل شيء فيه تقديرا، وأن هذا الإله ليس له شريك ولا شبيه ولا صاحبة ولا ولد. فهذا الوضوح يناسب العقل السليم لأن العقل دائما يطلب الترابط والوحدة عند التنوع والكثرة،ويريد أن يرجع الأشياء المختلفة إلى سبب واحد، وكما أن العقيدة الإسلامية واضحة فهي كذلك لا تدعو إلى الاتباع الأعمى بل على العكس فإنها تدعو إلى التبصر والتعقل قال تعالى ((قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين)) ولأن العقيدة مما تحار العقول المجردة فيها ولا تصل إلى إدراكها إلا من طريق الشارع الحكيم، فقد رجع كثير من الفلاسفة وأهل الكلام من المسلمين. عن مناهجهم العقلية المجردة إلى منهج الكتاب والسنة ومن هؤلاء الفخر الرازي- وهو من كبار الفلاسفة.
- فطرية العقيدة الإسلامية: إن العقيدة الإسلامية ليست غريبة عن الفطرة السليمة ولا مناقضة لها، بل هي على وفاق تام وانسجام كامل معها، وليس هذا بالأمر الغريب إذ إن خالق الإنسان العليم بحاله هو الذي شرع له من الدين ما يناسب فطرته التي خلقه عليها، كما قال تعالى ((فطرة الله التي فطر الناس عليه لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم)) وقوله ((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)) والواقع شاهد على موافقة الفطرة للعقيدة الإسلامية القائمة على الإخلاص لله وحده، فما أن يصاب الإنسان بضر تعجز أمامه القوى المادية إلا ويلجأ إلى الله تعالى في تذلل وخضوع، ويستوي في ذلك الكافر والمؤمن، بل حتى الطفل الصغير فإنه لو ترك على حاله دون أن يؤثر عليه والداه أو البيئة من حوله لنشأ معتقدا بالله تعالى ربا وإلها لا يعبد سواه لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه).
- عقيدة توقيفية مبرهنة: تتميز العقيدة الإسلامية بأنها توقيفية فلا تجاوز فيها للنصوص المثبتة لها كما إنها عقيدة مبرهنة تقوم على الحجة والدليل، ولا تكتفي في تقرير قضاياها بالخبر المؤكد والإلزام الصارم، بل تحترم العقول والمبادئ التي يقوم عليها الدين كله ذلك أنها لا تثبت في جميع جزئياتها وكلياتها إلا بدليل من الكتاب أو السنة. بل إن أتباعها منهيون عن الخوض في مسائلها إلا عن علم وبرهان قال تعالى ((ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)) وقال ((وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون)).
الثلاث قضايا العقائدية في الاسلام
في الإسلام ثلاث قضايا لابُدّ مِن الإيمان بها بحَقّ لأنّها جزء لا يتجزأ من ثنايا هذا الدين، فيما يلي توضيح لها كلٍ على حِدا.
- توحيد الربوبية: معناه توحيد الله بأفعاله، أفعال الله كثيرة منها: الخلق، والرَّزق، والإحياء، والإماتة، وتدبير الملك، والنفع، والضَّر، والشفاء، والإجارة؛ يجير ولا يجار عليه، وإجابة دعوة المضطر، وإجابة دعوة الداعي، ونحو ذلك من أفراد الربوبية. فالمتفرد بذلك على الكمال هو الله جل وعلا. فتوحيد الربوبية توحيد الله بأفعاله سبحانه.
- توحيد الألوهية: مأخوذ من أَلَهَ, يَأْلَهُ, إِلهة, وأُلوهة، إذا عَبَدَ مع المحبة والتعظيم. يُقال: تألّه، إذا عبد معظِّما محبا، ففرْق بين العبادة والألوهة؛ فإنّ الألوهة: عبادة فيها المحبة والتعظيم والرضى بالحال والرجاء والرغب والرهب. فمصدر ألَه، يأله, ألوهة، وإلهة، ولهذا قيل توحيد الإلهية، وقيل توحيد الألوهية، وهما مصدران لـ: أَلَهَ يَأْلَهُ. ومعنى أَلَهَ في لغة العرب: عبد مع المحبة والتعظيم، والتألُّه العبادة على ذاك النحو، قال الراجز: يعني من عبادتي، فتوحيد الإلـهية، أو توحيد الألوهية هو توحيد العبادة، يعني جَعْل العبادة لواحد وهو الله جل جلاله، والعبادة أنواع، والعبادة يفعلها العبد، والله جل وعلا هو المستحق للألوهة وللعبادة؛ يعني هو ذو الألوهة وهو ذو العبادة على خلقه أجمعين.وتوحيد الألوهية هو توحيد الله بأفعال العبد؛ أفعالك متنوعة التي تفعلها تقربا، فإذا توجّهت بها لواحد-لواحد وهو الله جلّ وعلا- كنت موحّدا توحيد الإلهية، فإذا توجه العبد بها لله ولغيره، كان مشركا في هذه العبادة.
- توحيد الأسماء والصفات: ومعناه أن يعتقد العبد أن الله جلّ وجلاله واحد في أسمائه وصفاته لا مُماثل له فيهما، وإن شَرِك بعضُ العباد اللهَ جل وعلا في أصل بعض الصفات؛ لكنهم لا يَشْرَكونه جل وعلا في كمال المعنى؛ بل الكمال فيها لله وحده دون من سواه؛ فمثلا المخلوق قد يكون عزيزا، والله جل جلاله هو العزيز، له؛ للمخلوق من صفة العِزّة ما يناسب ذاته الحقيرة، الوضيعة، الفقيرة، والله جلّ وعلا له من كمال هذه الصفة منتهى ذلك، ليس له فيها مثيل، وليس له فيها مشابه على الوجه التام؛ قال جل وعلا ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11].وهذه الأنواع الثلاثة من التوحيد، ذكرها الشيخ رحمه الله في هذا الكتاب، لكن لمّا كانت التصانيف قبله اعتنى فيها العلماء -أعني علماء السنة والعقيدة- ببيان النوعين الأول والثالث؛ وهو توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات, هما توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات؛ لمّا اعتنى العلماء بهما، لم يبسط الشيخ رحمه الله القول فيهما، وإنما بسط القول فيما الناس بحاجة إليه، ويفتقدون التصنيف فيه، وهذه طريقة الإمام رحمه الله؛ فإن كتاباته المختلفة، وإن مؤلفات الشيخ إنما كانت للحاجة، ليست للتكاثر، أو الاستكثار، أو للتفنن، وإنما كَتَبَ فيما الناس بحاجة إليه، لم يكتب لأجل أن يكتب، ولكن كتب لأجل أن يَدعُوَ، وبين الأمرين فرْق.فإذن الشيخ رحمه الله في هذا الكتاب بيّن توحيد الإلهية والعبودية، وبيَّن أفراده من التوكل، والخوف، والمحبة، والرجاء، والرّغبة، ونحو ذلك، والاستعانة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، كل هذه العبادات لله سبحانه دون من سواه، و الشيخ رحمه الله لمّا بسط ذلك، بيّن أيضا ضدّه؛ وهو الشرك.