لعلّ اسباب حرص كفار قريش على اعادة المهاجرين الى مكة واضحة وعدِيدة ولكن لا يعلمُها الكثير من الأفراد، في هَذا الأمر نجدُ اهتمام بالغ مِن جانب العُلماء والشُيوخ بهذه الأسباب، ولو رجَعنا إلى الخَلف وبالتمام إلى تِلك الحقبَة نجدُ أن أحداثًا عدِيدة قد شهدتها مكّة المكرمة والمدينة المُنوّرة في الوقت الذي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ينشُر الدعوة الإسلامية، وفي الطرف الآخر يوجَد المشركين بقيادة أبو جهل وأبو لهب وأمية بن خلف، وفيما يلي نسرد اسباب حرص كفار قريش على اعادة المهاجرين الى مكة.

هجرة المسلمين الى الحبشة

ازدَاد أذى الكافرين مِن قُريش على المسلمين الأمر الذي أدّى بدوره إلى هجرتهم إلى الحبشة، فمَا هِي خبايا هذه الهِجرة وما هي الخبايا المُحدّقة بالحبشة والمسلمين المهاجرين إليها، لقد كَانت الهجرة الأولى إلى الحبشة في السنة الخامسة من بعثَة النبي صلّى الله عليه وسلم، والذين هاجرُوا هم أحد عشر رجلًا، وأربع نسوة، خرجوا متسللين سرًا حتى انتهوا إلى الشعيبية، منهم الراكب، ومنهُم الماشي، وهذا الإسلام الذي تنعمون به اليوم، هذه المساجد، هذه الخطب، هذه الدروس، هذا الأمن الذي يشعر به المسلمون، من دَفع ثمنه؟ أصحاب النبي عليهم رضوان الله، دفعوا ثمنه باهظاً، إنسان يسافر من مكة إلى الحبشة مشيًا، الحياة شاقة جداً، والحر لا يحتمل، ووفق الله تعالى حينما وصلوا إلى الساحل سفينتين للتجار حملوا هؤلاء الصحابة إلى أرض الحبشة جميعاً بنصف دينار.

((وقد ثبت من طرق صحيحة ما ورد عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، وكانت ضمن من هاجر إلى الحبشة، في الهجرة الأولى، حيث قالت: لما ضاقت علينا مكة، وأوذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يدفع عنهم هذا الأذى،- وحكمة أنه ضعيف ذكرتها مرتين من أجل تثمين من يؤمن به، ليس عنده شيء يعطيه، ولا قوة تحمي أتباعه، ولا يملك لهم نفعاً ولا ضراً، فالإيمان به إيمان خالص، لكن لو أن قوياً من أقوياء الأرض ادعى أنه جاءته النبوة، ودعا الناس إلى الإيمان به، والله لتجدن الملايين المملينة تؤمن به خوفاً منه، لا قيمة لهذا الإيمان، أراد الله عز وجل أن يكون إيمان الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم إيماناً حقيقياً لا رغبة ولا رهبة، لا طمعاً ولا خوفاً, كان عليه الصلاة والسلام في منعة من قومه بني هاشم، ومن عمه أبي طالب، – فقال لهم عليه الصلاة والسلام: إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده، حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه، فخرجنا ـ كما تقول أم سلمة ـ فخرجنا إليها إرسالاً حتى اجتمعنا فيها فنزلنا بخير دار إلى خير جار آمنين على ديننا، ولم نخشَ من هذا الملك ظلماً)).

حرص كفار قريش على اعادة المهاجرين الى مكة

حرص الكُفار بِكُل ما أوتوا من قُوّة لإرجاء المُسلمين عن هجرتِهم، وكان رموز قريش وأسيادهم في الشرك هم أصحاب هذه الفكرة، وقد كان كفار قريش اتغاظوا جدا من هجرة المسلمين للحبشة وغاظهم أكتر الامن والاستقرار اللى عاشوا فيه هناك. يعملوا ايه ؟ وبعتوا وفد او تقدر تقول بعثة دبلوماسية رفيعة المستوى الى نجاشي الحبشة، شايلين الهدايا الثمينة لرشوته ورشوة حاشيته، وبطارقته ، وهم عمرو بن العاص وعبد الله بن ربيعة، وقالوا للنجاشي : < إنه لجأ الى بلادكم غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا فى دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك أشراف قومهم لتردهم إليهم فهم اعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليه > ولكن النجاشي ابي أن يردهم حتى يسمع قولهم فلما سمع منهم عن امر دينهم ونبيهم طلب منهم أن يقرءوا له بعضا من القرآن فقرأ عليه جعفر بن ابي طالب صدرا من سورة مريم فبكى النجاشي وقال: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة فو الله لا أسلمهم أبدا. واحتال عمر بن العاص على النجاشي عله يظفر بهم فقال له: إنهم يسبون عيسى بن مريم ويقولون فيه قولا عظيما، فأرسل إليهم فسألهم عن قولهم فيه فأجابه جعفر: إنه عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها الى مريم العذراء البتول، فضرب النجاشي بيده الى الارض فأخذ منها عوداً، ثم قال: والله ماعدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود اذهبوا فأنتم آمنون فى ارضي من سبكم غرم، ردوا عليهما(عمرو وعبد الله) هذا ياهما فلا حاجة لي بها، وهكذا رجع وفد مكة خائباً من الحبشة.