تُظهر الأبحاث أن لحظة تلقي الأهل خبر إصابة ابنهم بالتوحد (Autism) تُعتبر لحظة قاسية بمعنى الكلمة، حيث يشعرون وكأن عالمهم قد تدمَّر. ويتحدث البعض عن هذه اللحظة باعتبارها إدراكًا لضرورة التأقلم مع واقع جديد، يتسم بعيوب التواصل مع طفل يعاني من صعوبات في الاندماج الاجتماعي. ويصبح على هذا الطفل، بدوره، التكيّف مع عالم يتسم بقلة الفهم لاحتياجاته.

عند تشخيص الطفل بالتوحد، يتطلب الأمر من العائلة إعادة تنظيم هيكل حياتها بشكل شامل، حيث يتضمن ذلك جوانب اقتصادية وعلاجية، وكذلك إعادة ترتيب البيئة المنزلية. يتطلب إدماج الطفل المصاب بالتوحد 24 ساعة من الرعاية والتركيز، تمتد حتى أدق التفاصيل اليومية مثل النظافة الشخصية، التغذية، الملابس، والعلاقات الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، يجب ضمان سلامة وأمن الطفل في جميع الأوقات.

غالبًا ما يواجه الطفل المصاب بالتوحد (الذاتوي) صعوبة في إدراك ذاته ومحيطه، مما يجعله معرضًا للخطر دون أن يكون على دراية بذلك. تفاقم هذه المشكلة بغياب علاج طبي فعّال للتوحد، مما يؤدي أحيانًا إلى أزمات عائلية عميقة.

تشير الإحصاءات إلى وجود زيادة مستمرة في عدد الأطفال الذين يتم تشخيص إصابتهم بالتوحد. ففي الولايات المتحدة، يتم تشخيص طفل واحد من كل 150 طفلًا كضعيف من التوحد.

توجد منظمات وجمعيات عديدة في معظم دول العالم تُقدِّم الدعم للعائلات التي لديها أطفال مصابين بالتوحد، من خلال مجموعة متنوعة من البرامج العلاجية، بما في ذلك مراكز الدعم وتحسين التشريعات وتعزيز طرق التعاون مع السلطات. ومع ذلك، لا يزال المجتمع يواجه تحديات كبيرة في تقبل الأطفال المصابين بالتوحد.

يتميز الطفل المصاب بالتوحد (الذاتوي) بصفاته الفريدة المغايرة لبقية الأطفال ذوي الإعاقات القابلة للرصد. في الواقع، هذا الأمر قد يوفر له حماية من بعض أشكال العزلة أو الازدراء الاجتماعي، ولكن بمجرد أن يُكشف النقاب عن حالته، تبدأ ضغوطات المجتمع في الظهور، مما يؤدي إلى نقص في الدعم الجهوي والصبر من قبل المحيطين.

تشعر بعض العائلات بالخجل من وجود طفل مصاب بالتوحد، ما ينعكس على سلوكياتهم اليومية في محاولة تجاهل أو تقليل الحديث عنه. قد يخفي بعض الأفراد وجود الطفل المصاب بالتوحد عن الدائرة الاجتماعية القريبة لاعتقادهم بأن ذلك قد يضر بسمعة الأسرة. وفي ظل هذه الأوضاع، يختار العديد من الأشقاء أيضًا الابتعاد عن هذا الطفل، ويتجنبون دعوة الأصدقاء إلى منازلهم تفاديًا لكشف هذا الأمر.

من جهة أخرى، لوحظ انفتاح أكبر على قضايا التوحد في السنوات الأخيرة مقارنة بالسنوات السابقة. بدأت الأسر بالتحدث بصراحة أكبر عن تحديات تربية أطفالها المصابين بالتوحد، بينما بدأت مؤسسات ومنظمات عديدة توظيف أفراد مصابين بالتوحد (حتى وإن كانوا يعانون بدرجات طفيفة). علاوة على ذلك، تسن بعض الدول قوانين جديدة لحماية حقوق الأسر التي تحوي أطفالًا من ذوي التوحد، مما يشير إلى جهود لدعم المجتمعات بشكل أفضل.

ومع ذلك، لا تزال المجتمعات تكافح لتقبل الأطفال المصابين بالتوحد، ولا تزال رؤية هذا المرض تُعتبر إعاقة ذات طبيعة خاصة تعاني من قلة الفهم. ينبع هذا التحدي من الفهم المحدود والوعي القليل حول التوحد في المجتمع. غالبًا ما ينظر إلى التوحد كظاهرة أحادية البُعد، على الرغم من كونه حالة متعددة الأبعاد تؤثر على عدد كبير من الفئات الاجتماعية. في بعض الحالات، قد تتخلى العائلات عن النضال الاجتماعي وتكتفي برعاية طفلها، متخلية بذلك عن الفرصة لتعزيز الوعي حول قضايا التوحد في المجتمع.