ما الحكمة من استخدام النبي اسلوب السرية في الدعوة؟ سؤالٌ لا بُد من التعرف على إجابته، حيثُ بَدأت الدعوة الإسلامية بمكة المكرمة سرًا، حيثُ يدل هذا على أنّ الدعوة كانت في بداية الأمر سريّة حفاظًا على سير الدعوة الإسلامية بشكلٍ قوى منذ بدايتها، وكان خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حريصًا على أن تكُون الدعوة الي الله سبحانه سرًا، حتى لا يُلاحظ ذلك المُشركين والكفار ويقُوموا بمحاربة الدين الإسلامي، أو اتّخاذ إجراءات معادية للدين الاسلامي، فهذا الأمر هو من أمُور الحنكة التي كان يتّبعها رسول الله حتي يعم الاسلام بشكلٍ واسع في كافة أرجاء الأرض.

الحكمة من الاستخفاء بالدعوة

إنّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان قد أحاط الدعوة بسياج من الإنضباط الأمني القوي، حال ذلك دون معرفة ما كان يَجري من التحولات داخل المجتمع المكي، فالدعوة كانت تتحرك في الخفاء، والناس كانوا يسمعون بها ويتحدثون عنها، لكن الاحاطة بمن انضوى تحت لوائها ظل غير معروف، وهو ما جعل الكفار من قريش لا يولّونها أهمية ويقلقون منها ويحفزون لمواجهتها، إلّا بعد فترة من الزمن تمكنت فيها من مدّ جذورها في أعماق المجتمع بأسره.

الحكمة من سرية الدعوة

حرص المصطفى محمد صلّى الله عليه وسلم على أن يكون نشر الدعوة الاسلامية في الخفاء، لتمكِينها في نفوس المجتمع المكي، ويُذكر أن الدعوة الي الله كانت في مكة المكرمة وبعد ذلك انتشرت الي كافة ارجاء بلاد المسلمين، ومن أسباب اتخاذ نبي الله محمد قرار الدعوة الي الله عز وجل سرًا هي:

  • التريث ريثما تتكون لبنات قوية المزج، شديدة التماسك في جو بعيد عن إثارة المعوقات في طريق سير الدعوة؛ لأن هذه اللبنات هي القوة الدافعة التي سيعتمد عليها بناء المجتمع الإيماني الجديد في مواجهة قوى الظلم والبغي المتربصة بهذا الدين في صبرٍ لا يعرف الوهن، وجهاد لا يعرف اليأس.
  • نهج المسالمة المؤقتة في البداية؛ لأن مهاجمة هذا المجتمع الغارق في شروره ومواجهته بضلاله وساق الدعوة لم يستوِ بعدُ، يؤذن بتحريك دوافع المقاومة للدعوة في نفوس المستكبرين، والدعوة لا تزال في أول خطواتها، فتتعثر في سيرها، وهي لا تزال وليدة طرية، لذلك آثر النبي الاستسرار بدعوته وتبليغ رسالته؛ حرصًا منه أن يكون سيرها مطردًا وئيدًا هادئًا، تسير إلى القلوب بخُطا ثابتة، حتى تتمكن من الإعلان عن نفسها في الوقت المناسب، بعد أن يؤمن بها عدد من الناس يضحون في سبيله بالغالي والنفيس، مما يضمن استمرارها وبقاءها.
  • إتاحة الفرصة للدعوة حتى تصل إلى مسامع العرب في مواسمهم ومحافلهم وأسواقهم ومضارب منازلهم، فأتت هذه الخطوة أُكُلها؛ حيث أقبل إلى مكة فريق منهم، يتحسس أخبارها، ويتعرف مكانها في خفيةٍ وحذر، حتى إذا بلغوا مأمنها في مقرها (دار الأرقم) أسلموا لله تعالى، واتبعوا رسوله، واهتدوا بهديه، وآمنوا بما جاء به من الحق.