يختلفُ الكثير من الفُقهَاء في حكم زيارة النساء للقبور، ولكن المرجِع يبقى في النهاية إلى الكتاب والسنة، وما الكتاب إلّا قرآنٌ كريم كلامٌ من الله عز وجل، والسُنّة هي ما ورد عن الرسول الأطهَر محمد صلّى الله عليه وسلّم، وفي هذا التعداد نجدُ أنّه قَد اختلف أهل العلم على زيارة النساء للمقَابر بإختلاف المُبتغى وطريقته، فمِنها مَن قال تجوز ومنها من قال لا تجوز، فالنساء قلبهن رقيق خشية من البكاء على الميت فقد قيل في حديث عن الرسول عن عدم جواز زيارة النساء للمقابر، ونحن الىن على مفترق طرق للتعرف على الإجابة السّليمة والمثلى بما يخُص حكم زيارة النساء للقبور.

  حكم زيارة النساء للقبور في الشرع

يقول البعض أنّه يَجبُ أن تكُون الزائرة بلباس مُحتشم ساترة لعوراتها باللبس الصحيح والمشروع في الإسلام، فلا يجُوز ذهاب المرأة بشعرها أو بملابس ضيقة، المزيد من هذا في سياق نص الفتوى التالية.

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

زيارة القبور للنساء من مسائل الخلاف المشهورة بين أهل العلم، والمعتمد في مذهب الشافعية القول بالكراهة، لا بالتحريم المطلق، ولا الجواز المطلق، وسبب الكراهة هو ما يخشى على المرأة في زيارتها القبور من الجزع وقلة الصبر والتأثر البالغ الذي قد يضرها في دينها أو بدنها.
يقول الخطيب الشربيني رحمه الله: “تكره زيارتها – يعني القبور – للنساء; لأنها مظنة لطلب بكائهن، ورفع أصواتهن، لما فيهن من رقة القلب، وكثرة الجزع، وقلة احتمال المصائب.
وإنما لم تحرم لأنه صلى الله عليه وسلم (مر بامرأة على قبر تبكي على صبي لها, فقال لها: اتق الله واصبري) متفق عليه.
فلو كانت الزيارة حراما لنهى عنها.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كيف أقول يا رسول الله؟ يعني إذا زرت القبور, قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون) رواه مسلم. – ثم ذكر أقوالا أخرى ثم قال:
ومحل هذه الأقوال في غير زيارة قبر سيد المرسلين، أما زيارته فَمِن أعظم القربات للرجال والنساء” انتهى باختصار. “مغني المحتاج” (2/57)
وننبه هنا إلى أمور مهمة يجب مراعاتها إذا زارت المرأة القبور:
1- أن لا تخرج متزينة متعطرة، بل متسترة محتشمة.
2- أن لا تختلط بالرجال.
3- أن تذهب مع أحد محارمها إذا كانت المقبرة نائية أو بعيدة أو موحشة.
4- أن تلتزم السكينة والوقار في المقبرة، فتعتبر من غير ما صوت ولا عويل.
5- أن يكون الغرض من زيارة القبور العظة والاعتبار والنظر في المآل.
كما ننبه إلى ما ذكره الشيخ أحمد القليوبي رحمه الله (ت1069هـ) في الحاشية حين قال: “وتحرم – يعني زيارة القبور – على معتدة ولو عن وفاة، وبغير إذن حليل” انتهى.
فالمعتدة لا تخرج لزيارة القبور أثناء عدتها – ولو كان قبر زوجها -، وكذلك لا تخرج الزوجة بغير إذن زوجها. والله أعلم.

حكم زيارة النساء للقبور بالتفصيل

التفصيل في هذا الأمر وهذا المُعتقد هو ما يَتمّ التداول عليها والاهتمام به بشكل مُستمر، وفيما يلي سِلسلة من ثنايا التوضيحات التي تخُص حكم زيارة النساء للقبور بالتفصيل الممل.

لقد اختلف العلماء في زيارة النساء للقبور على ثلاثة أقوال: وهي ثلاث روايات عن الإمام أحمد رحمه الله:

  • أولاً: الكراهة من غير تحريم كما هو منصوص الإمام أحمد رحمه اللّه في إحدى الروايات عنه، واستدل له بحديث أم عطية المتفق عليه “نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا” وإليه ذهب أكثر الشافعية وبعض الحنفية.
  • ثانياً: أنها مباحة لهن غير مكروهة، وبه قال أكثر الحنفية والمالكية وهو الرواية الأخرى عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى. واستدل له بحديث مسلم عن بريدة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: “كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها”. وبحديث عائشة في زيارة أخيها عبد الرحمن؛ وبحديثها أيضا عند مسلم “ما أقول لهم؟ قال قولي” الحديث. وبحديث أنس رضي اللّه عنه “مر النبي صلى اللّه عليه وسلم بامرأة تبكى عند قبر” الحديث.
  • ثالثاً: التحريم لأحاديث اللعن وغيرها مما يعضدها وهو مذهب بعض المالكية والشافعية والحنفية، وإليه ذهب أكثر أهل الحديث وهو الرواية الثالثة عن الإمام أحمد رحمه اللّه. كما حكاها العلامة علي بن سليمان المرداوي في كتابه (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل) قال ما نصه: “وعنه أي عن الإمام أحمد رواية ثالثة: يحرم كما لو علمت بأنه يقع منها محرم، ذكره المجد واختار هذه الرواية بعض الأصحاب، وحكاها ابن تميم وجها. اهـ