لكُل شيء في الدين الإسلامي موقع وحُكم، ولعَلّ السطور هذه تحتوي على حكم سفر المراة بدون محرم بحسب المنظور الشرعي المُتكامل، وقد أفضَت العديد من الأبحاث الدينية إلى القرار الصائب في هذه المسألة التي يجدر أن يَتمّ الاهتمام بها بشكلٍ خَاص في الوقت الذي تشهد الحياة اهتمام كبير ومتزايد من قبل الأفراد بل وإن الكثير من السيدات ليبحثنَ عن السفر بين الفينَة والأخرى ويقُمْن به بالفعل، لأجل هذا كان لابُدّ من التطرق إلى هذه المسألة التي يكمُن الجواب عنها في يد العلماء بحسب ما طرحه الدين، وبهذا احتوت السطور التالية جواب سؤال حكم سفر المراة بدون محرم.

حكم سفر المراة بدون محرم للدراسة

رُبّما يكون السفر للأنثى لتحقيق هدف ما وهُو الدراسة في دولة أخرى ولربما تعترِض الحكومات والمطارات على أن يتمّ إصطحاب مرفق لها ولرُبّما يكون في ذلك صعوبة، كل هذا فيما يلي وبخضم حكم سفر المراة بدون محرم نجده.

دلت الأدلة الصحيحة الصريحة على أنّ المرأة ليس لها أن تسافر إلا مع محرم ، وهذا من كمال الشريعة وعظمتها، ومحافظتها على الأعراض ، وتكريمها للمرأة، واهتمامها بها، والحرص على صيانتها وحفظها ووقايتها من أسباب الفتنة والانحراف، سواء كانت الفتنة لها أو بها.

ومن هذه الأدلة : ما رواه البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ . فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ . فَقَالَ : اخْرُجْ مَعَهَا ).

وبناء على ذلك فلا يجوز للمرأة أن تسافر لطلب العلم بغير محرم، وعليها أن تحصّل العلم الواجب عليها بالطرق الكثيرة المتاحة، كالاستماع للأشرطة، وسؤال أهل العلم عن طريق الهاتف ، ونحو ذلك مما يسره الله تعالى في هذه الأزمنة.

وقد سُئلت اللجنة الدائمة: هل خُروج المرأة لتعلم الطب إذا كان واجبًا أو جائزًا ، إذا كانت سترتكب في سبيله هذه الأشياء مَهما حاولت تلافيها:

أ‌ – الاختلاط مع الرجال: في الكلام مع المريض – معلم الطب – في المواصلات العامة.

ب‌- السفر من بلد مثل السودان إلى مصر ، ولو كانت تسافر بطائرة ، أي لمدة ساعات وليست لمدة ثلاثة أيام.

ج- هل يجوز لها الإقامة بمفردها بدون محرم من أجل تعلم الطب ، وإذا كانت إقامة في وسط جماعة من النساء مع الظروف السابقة.

فأجابت:

أولاً: ” إذا كان خروجها لتعلم الطب ينشأ عنه اختلاطها بالرجال في التعليم أو في ركوب المواصلات اختلاطا تحدث منه فتنة فلا يجوز لها ذلك؛ لأن حفظها لعرضها فرض عين ، وتعلمها الطب فرض كفاية، وفرض العين مقدم على فرض الكفاي،وأما مجرد الكلام مع المريض أو معلم الطب فليس بمحرم ، وإنما المحرم أن تخضع بالقول لمن تخاطبه وتلين له الكلام، فيطمع فيها من في قلبه مرض الفسوق والنفاق، وليس هذا خاصا بتعلم الطب.

ثانياً: إذا كان معها محرم في سفرها لتعلم الطب، أو لتعليمه، أو لعلاج مريض جاز، وإذا لم يكن معها في سفرها لذلك زوج أو محرم كان حرامًا، ولو كان السفر بالطائرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تسافر المرأة إلّا مع ذي محرم ) متفق على صحته، ولما تقدم من إيثار مصلحة المحافظة على الأعراض على مصلحة تعلم الطب أو تعليمه … إلخ.

ثالثاً: إذا كانت إقامتها بدون محرم مع جماعة مأمونة من النساء من أجل تعلم الطب أو تعليمه، أو مباشرة علاج النساء جاز، وإن خشيت الفتنة من عدم وجود زوج أو محرم معها في غربتها لم يجز، وإن كانت تباشر علاج رجال لم يجز إلا لضرورة مع عدم الخلوة ” انتهى من “فتاوى الجنة الدائمة” (12/178).

والله أعلم.

حكم سفر المراة بدون محرم للعمرة

العمرة مِن الأعمال الإسلامية التي تُعدّ عبادة يتم التقرب بها غلى الله عز وجل، في هذا كان لابد من التطرق بإجهاش إلى خصوصيات هذا الأمر والتعرف على كل ما فيه من ثنايا ومن تعريجات واضحة كما يلي.

فإن كانت العمرة التي ستسافر لها أمك هي عمرة الإسلام فلا حرج عليها إن شاء الله في أن تسافر من غير محرم شريطة أن تكون الرفقة التي تسافر معها مأمونة، وهذا قول كثير من أهل العلم، وفي المسألة خلاف بيناه وملنا إلى ترجيح هذا القول في الفتوى رقم: 14798.

وأما إذا لم تكن هذه العمرة هي عمرة الإسلام بل كانت تطوعا فالأولى لها ألا تسافر وهو قول الجماهير من العلماء، وأجاز بعض العلماء لها السفر وإن لم يكن معها محرم لكونه سفر طاعة. وانظر لتفصيل القول في هذه المسألة الفتوى رقم: 136128.

والراجح إن شاء الله أنها لا تسافر بغير محرم إن لم تكن هذه العمرة هي العمرة الواجبة وهو الأحوط للدين والأبرأ للذمة، وانظر الفتوى رقم: 128348. ولا شك في كون سفرك على طائرة أخرى غير التي تسافر أمك عليها لا يجعلك محرما لها في سفرها ولا يبيح لها السفر بمفردها.

والله أعلم.