نفتتح الحديث عن هَذا بأنّ العهد الذي بَين المسلم وغير المسلم هو الصلاة، ومن هُنا كان الحديث عن ما حكم تارك الصلاة من منظُور إسلامي أكثر قوة، حيثُ هذا الأمر لا يستطيع أي فَرد من الأفراد الحديث عَنه إلّا ان يكون مؤهلًا لذلك.
فمن يسمح للشخص بأن يرى نفسه بمكان المصلي أو غير المصلي، على ذات المنوال فقد انتشر الكثير من الخطب الإسلامية التي تشير إلى أهميّة الصلاة وأنّها من أركان الإسلام بل إنها من اوائل الأركان التي يتم الاهتمام بها، بل إنها عمود الإسلام، هنا سنتعرّف على حكم تارك الصلاة سواء جحودًا أو أنه تركها معصية مع إقراره بوجوبها.
ما حكم تارك الصلاة في المذاهب الاربعة
المَذاهب الأربعة هي ما يتمّ تبنّيها من قبل المسلمين، وكل هَذه المذاهب لتطرح الحكم الذي يخُص ترك الصلاة، في النهاية نترك لكُم كامل حكم تارك الصلاة على حدى فيما يَلي.
الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد فالنصوص عنهم في هذا متفاوتة :
فأحمد بن حنبل المشهور عنه القول بالتكفير، نص عليه جماهير أصحابه بل عامتهم، حكاه عنه من أصحابه ابن هانئ والخلال وحنبل بن إسحاق وإسماعيل الشالنجي والحسن بن عبدالله الإسكافي وأبو بكر المروزي والميموني وأبو داود وأحمد بن الحسين بن حسان وابنه عبدالله وأبو طالب والاصطخري في رسالة الإمام أحمد، كما ذكرها بإسنادها ابن أبي يعلى القاضي في كتابه “طبقات الحنابلة”.
ولا أعلم عن أحمد نصاً بعدم التكفير إلا ما يفهمه بعض الأصحاب من رواية ابنه صالح حينما سأله عن زيادة الإيمان ونقصانه قال: كيف يزيد ونقص ؟ قال ( مثل تارك الصلاة والزكاة والحج وأداء الفرائض).
قيل : في هذا دليل على أنَّه يرى أنَّ من ترك الصلاة فإيمانه ينقص لا يزول، وفي هذا نظر:
أولاً: إنَّ قول الإمام أحمد في نقصان الإيمان بترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها، هُو ظاهر مذهبه، فإنَّه لا يقول بالكفر، في من هذه حاله ، ولهذا قد أخرج في كتابه المسند من حديث قتادة عن نصر قال : جاء رجل منا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأراد أنْ يبايعه على أنْ لا يصلي إلا صلاتين، فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك.
ومعلوم عند غير واحد من أصحاب الإمام أحمد أنَّ ما أخرجه في مسنده من حديث ولم يصرح بخلافه، أو كان له في المسألة قولان فإنَّ هذا الحديث الذي أخرجه في مسنده يكون كالنص عنه.
وقد حكى الخلاف في هذه المسألة ابن مفلح في كتابه الآداب الشرعية فقال ( ما رواه أحمد في المسند ولم يصرح بخلافه فهل يكون مذهباً له ؟ فيه خلاف بين الأصحاب والظاهر أنه لا يخالفه ).
وهذا كذلك عند مالك رحمه الله في كتابه الموطأ.
وعليه فإخراج الإمام أحمد لهذا الخبر : أنًَّ النبي صلى الله عليه وسلم بايع رجلاً على أنْ لا يصليَّ إلا صلاتين، دليل على أنْ بقاءه على هذه الحال لا يصلي إلا صلاتين أهون من بقائه على كفره الأصلي، وعليه يقال أنَّّ من ترك صلاة واحدة أو صلاتين في اليوم والليلة حتى يخرج وقتها لا يكفر.
وقد ثبت عن غير واحد من السَّلف القول بالكفر، وهذا مرويٌّ عن الحسن البصري، ونص عليه إسحاق بن راهويه، وهو رواية عن الإمام أحمد على خلاف الظاهر، وهو رواية عن مالك ورواية عن الشافعي نقلهما الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء.
وعلى هذا يحمل ما جاء في رواية ابنه صالح عن زيادة الإيمان ونقصانه فيمن ترك الفرائض ومنها الصلاة.
ثانياً : أن عامة أصحاب أحمد ينقلون عنه القول بكفر تاركها ، فلا يصار إلى ظن ويترك اليقين.
وأما ما جاء في رواية ابنه عبدالله أن أحمد سئل عمن ترك شهراً قال يعيدها .
فيقال : جوابه من وجهين:
الأول : أنه لا يلزم من القول بالقضاء القول بعدم الكفر، فإسحاق بن راهوية يكفر بترك الصلاة، ويرى عليه القضاء إذا تاب، ومثله عبدالله بن المبارك.
وإن كان قولهما لا يستقيم من جهة الخبر، فقد روى محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة من حديث عبدالعزيز ابن أبى رزمة عن ابن المبارك أنه شهده وسأله رجل عن رجل ترك الصلاة أيام وقال : فما صنع ؟ قال : ندم على ما كان منه ، فقال ابن المبارك : ليقضى ما ترك من الصلاة ، ثم أقبل علي فقال : يا أبا محمد هذا لايستقيم على الحديث.
الثاني : إنَّ هذا ليس بصريح، وحكاية عامة، فالترك قد يكون بجهل الوجوب، كالمرأة التي يخرج منها الدم الفاسد، ولا تستفتي تفريطاً منها، وتظن أنَّه حيضٌ، وهو دم فساد ، هل يجب عليها أنْ تعيد تلك الصلاة ؟ عليه يحمل قول أحمد، ومن ذلك من ترك الصلاة شهراً وهو غير واجد للماء وهو على جنابة ويظن أن التيمم لا يرفع الحدث الأكبر، ومن ذلك من ترك الصلاة شهراً لعدم القدرة على استعمال التراب والماء.
ويحمل المتشابه من قوله على الصريح مما نقله عنه عامة أصحابه.
وأما الإمام مالك فلا أحفظ عنه نصاً ولا قولاً ، بكفر تارك الصلاة ، أو عدم كفره ، وإنمَّا هي حكايات ، ونقول تنسب إليه ، إلا قتل تاركها نص عليه عنه ابن عبدالبر في “التمهيد” وعن ابن القاسم عنه في “البيان والتحصيل”.
والمشهور عنه عند أصحابه أن تارك الصلاة ليس بكافر ، وهذا الذي ينقله عنه جماعة من أصحابه ، بل جماهير أصحابه ، كما نقله عنه ابن رشد وابن عبد البر.
ونقل ابن رشد في كتابه “المقدمات والممهدات” وفي “حاشية المدونة” عن مالك كفر تارك الصلاة ، وقيده بالإصرار ، وكأنَّه يذهب إلى ما ذهب إليه الإمام أحمد من أن من ترك صلاة أو صلاتين أنَّه لا يكفر ، بإخراجه لحديث نصر كما تقدم الإشارة إليه.
وقد عد الشنقيطي في “أضواء البيان” الرواية عن مالك بالتكفير ضعيفة.
ونقل الطحاوي عنه كما في “المختصر” أنه يقول بردة من ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها ما لم يقضها ، ونقول الفقهاء من المالكية عنه أصح و أرجح من نفول غيرهم ، فهم أعلم الناس بمذهبه.
وأما الشافعي رحمه الله فلا أحفظ عنه نصاً صريحاً أيضا بعدم كفر تارك الصلاة وإنْ كان أصحابه ينقلون عنه عدم كفر تارك الصلاة ، وقد نص على هذا القول وحكاه عن الإمام الشافعي جماهير أصحابه كالصابوني في “عقيدة السلف” والنووي في “المجموع” وجماعة.
ونقل بعض الأئمة عن الإمام الشافعي أنَّه يرى كفر تارك الصلاة ، كما حكاه عنه الإمام الطحاوي في “مشكل الآثار” وكذلك في “مختصر اختلاف العلماء” بل نقل عنه كفر من ترك صلاةًَ واحدة حتى يخرج وقتها .
وقد أشار الشافعي إلى عدم التكفير وفي قوله عموم ، وهو ما جاء في كتابه “الأم” قال (لو أن رجلاً ترك الصلاة حتى يخرج وقتها كان قد تعرض شراً إلا أن يعفو الله ) .
يعنى تحت المشيئة ، ولا يكون تحت المشيئة بالعفو أو العقاب إلا المسلم المسرف ، ومن نفى القول بالكفر عنه مطلقاً ففي قوله نظر ، ولعل مراده هنا هي الصلاة الواحدة حتى يخرج وقتها كما هو ظاهر مذهب أحمد ولذا قال 🙁 لو أن رجلاً ترك الصلاة حتى يخرج وقتها) ولعل هذا قول له آخر غير ما ذكره الطحاوي عنه ، أو أن ما نقله الطحاوي مقيد بعدم القضاء .
ثم إن ذكره لخروج الوقت دليل على أن مراده الصلاة الواحدة ، ولو كان مراده الترك بالكلية لما كان لذكر خروج الوقت فائدة كبيرة .
وأما أبو حنيفة فالمشهور عنه عدم التكفير ، ونقله عنه جماهير أصحابه ، منهم الإمام الطحاوي في كتابه “المشكل” وكذلك في كتابه “مختصر اختلاف العلماء” وإلى هذا ذهب شيوخه كحماد بن أبي سليمان وغيره.
وقد ذكر السبكي في “طبقات الشافعية” مناظرة بين الإمام أحمد وبين الإمام الشافعي في مسألة كفر تارك الصلاة أن الشافعي و أحمد تناظرا فقال الشافعي : يا أحمد أتقول إنه يكفر ؟
قال : نعم .
قال : إذا كان كافراً فبما يسلم ؟ .
قال : يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله .
قال الشافعي : فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه ؟ .
قال : صلاة الكافر لا تصح و لا يحكم له بالإسلام بها ؟ .
فسكت الإمام أحمد .
وهذه حكاية منكرة ، وليس لها إسناد ، وقد أوردها السبكي في كتابه “طبقات الشافعية” بصيغة التمريض ، وهذه المناظرة فيها من ضعف الاستدلال ، وضعف الحجة مما لا يليق بهذين الإمامين .
وترك الصلاة ليس من خصال أهل الإيمان بحال ، ولهذا قد ذكر ولي الدين أبو زرعة ابن العراقي في أوئل كتابه “طرح التثريب” :
( عن بعض علماء المغرب ، فيما حكاه له صاحبه الشيخ الإمام أبو الطيب المغربي ، أنه تكلم يوماً في ترك الصلاة عمداً ، ثم قال : وهذه المسألة مما فرضها العلماء ، ولَم تقع ، لأن أحداً من المسلمين لا يتعمد ترك الصلاة ، وكان ذلك العالم غير مخالط الناس ، ونشأ عند أبيه مشتغلاً بالعلم من صغره ، حتى كبر ودرَّس فقال ذلك في دروسه ) .
وعلى كل : فهذا القول وغيره يدل على أنَّ ترك الصلاة ليس من خصال أهل الإسلام بحال ، ويكفي التشديد في النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم وحكايات التكفير عن الأئمة من السلف والخلف وهي كثيرة أشهر من أنْ تذكر . وقد تقدم جملة منها.
والله أعلى وأعلم.
تفصيل حكم تارك الصلاة
التفصِيل والعُمق في سؤال ما حكم تارك الصلاة، والتعمق في إجابته هي من مهَام الشيوخ والعلماء الذين يتحدّثون بمنظور ديني خالص عن مثل هذه الديباجات والتي تزداد تفصيل فيما يلي.
فقد اتفق العلماء على كفر من ترك الصلاة جحودا لها. واختلفوا فيمن أقر بوجوبها ثم تركها تكاسلا. فذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه لا يكفر، وأنه يحبس حتى يصلي. وذهب مالك والشافعي رحمهما الله إلى أنه لا يكفر ولكن يقتل حدا ما لم يصل. والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه يكفر ويقتل ردة، وهذا هو المنقول عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وحكى عليه إسحاق الإجماع، كما نقله المنذري في الترغيب والترهيب وغيره، ومن الأدلة على ذلك ما راوه الجماعة إلا البخاري والنسائي عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة” وما رواه أحمد من حديث أم أيمن مرفوعا” من ترك الصلاة متعمداً برئت منه ذمة الله ورسوله” وما رواه أصحاب السنن من حديث بريدة بن الحصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر” وروى الترمذي عن عبد الله بن شقيق قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة. وقال الإمام محمد بن نصر المروزي سمعت إسحاق يقول: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.
وقال الإمام ابن حزم : روينا عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ومعاذ بن جبل ، وابن مسعود ، وجماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - وعن ابن المبارك ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه رحمة الله عليهم ، وعن تمام سبعة عشر رجلاً من الصحابة ، والتابعين رضي الله عنهم ، أن من ترك صلاة فرض عامداً ذاكراً حتى يخرج وقتها ، فإنه كافر ومرتد ، وبهذا يقول عبد الله بن الماجشون صاحب مالك ، وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي وغيره . انظر ( الفصل (3/274) لابن حزم ، والمحلى (2/326) ونقله الآجري في الشريعة ، وابن عبد البر في التمهيد (4/225). والله أعلم.