يوم أن اغتَصبت إسرائيل دولة فِلسطين، كانت الأُحجية لا تَزال برُمّتها في لحظة قادِرة على صفع الضعق ولكن؟؟، الجيوش العربية المشاركة في حرب 1948 كبيرة وعَديدة ولها من القوة الكثير والكثير، هذا الأمر نجِدُه يتمثّل حقًا مع كُل الجيوش العربية المشاركة في حرب 1948 والتي كان بمقدُورها أن تتغنّى بالنصر المبين حقًا لو لم تُركِن للخذلان ولَم تركن إلى التفاقم في الرّجوع إلى الوراء أمام القوة التي تُسمّى إسرائيل، ففي هذا نجد أنّ الجيوش العربية المشاركة في حرب 1948 كانت عديدة وكثيرة من أقوى الجيوش العربية، هنا سنتعرّف وإياكم على أهمّ الدول التي شاركت بهذه الحرب.
العراق
هذه الدولة العربية الأصِيلة كان لها مَوقف واضح تجَاه فلسطين، حيثُ حشَدت جُنودها وأرسلتهم عبر القوافل إلى أرض المِيعاد لتُصارع اليهود الذين لم يكلُّوا على الإطلاق عن بسط السيطرة والتوغل داخل الأراضي الفلسطينية سواء في الضفة الغربية تارة، وقطاع غزة تارات.
إبّان هذا الصراع، كان يبلُغ عدد سكان العراق حوالى خمسَة ملايين نسمة، وقَد وضع البريطانيون الأُسرَة الهاشمية على رأس الدولة، وقد حاوَلت هذه الأسرة فرض قبضة سياسية قوية، وشهِدت البلاد في ذلك الوقت أسوَأ وضع داخلي عرفته دُول الشرق الأوسط: فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية كانت مُتردّية ( فقد ارتفع معدل الوفيات، على سبيل المثال، عشرَة أضعاف عنه في الدول الصناعية في ذلك الوقت) وشَهدت البلاد تمرد الأكراد، ولكن تم إجهاضه، هذا إلى جانب الصراعات السياسية الدينية بين العرب السنة (وهم أقلية) في السلطة، وبين الأغلبية الشيعية.
هذا وقَد كانت الاضطرابات في فِلسطين تُمثّل إشكاليّة كبِيرة للعراق حتى أنّ المصدر الرئيس للدخل في البلاد، وهو البترول، أصبح معتمدًا على خط الأنابيب المُؤدّى إلى حيفا، وفى الواقع تَسبب إغلاق ذلك الخط في أزمة اقتصادية حادة عقب انتهاء الحرب، وكان الموقف العراقي حول فلسطين متضاربًا فقبل الحرب كان الحكام العراقيون من بَين أوائل الدول العربية التي حثت على” القِيام بتدخل عسكَري مُنسّق بين الدول العربية في فلسطين”، ولكن على الرغم من أنّ الوحدات العراقية كانت ستُشكّل أكبر تمثيل في هذه الحرب، فإنها لم تقُم بمهمة كبيرة سوى اتخاذ مواقع دفاعية في الضفة الغربية، حتى أن “الوزراء العراقيين الذين أصرّوا مرارًا وتكرارًا على فرض حظر تجارى وبترولى على الدول الغربية الموالية للتقسيم، لم يقوموا بأي إجراء لتنفيذ هذه القرارات.”
حيث وتَحت الضغط الشعبي، والاتّهام الموجه لها بالتواطؤ مع الأردن (كان هُناك فرعان من الأسرة الهاشِميّة في السلطة في كلا البلدين)، أرسَلت العراق، مع ذلك واحدة من أكبر الوحدات العربية في فلسطين، وبلغت القوات العسكرية ما يقرُب من 40 ألف فرد، مجهزين ومُنظّمين ومدربين يشكلٍ جيّد نسبيًا، وكانت تلك القوات مُكوّنة من ثلاث فرق معززة بكتيبة مزودة بعدد من 15 إلى 20 دبابة، و200 عربة مدرعة، وما بين 70 و 80 قطعة مدفعية، كما كانَت القوات العراقية تمتلك سلاحًا جويًا مُكونًا من 80 طائرة نصفهم طائرات مقاتلة، ولم تتورّط كل هذه القوات في الصراع، فقد كَانت المُشاركة العراقية الأولى مكونة من ثلاثة آلاف فرد، ارتفع عددها ليصل إلى 20 ألف فرد في نهاية 1948.
مصر
جمهوريّة مصر العربية تحت قيادة الملك فاروق كان لها الأخرى موقِف حاسم تجاه الاحتلال الاسرائيلي لدولة فلسطين الكُبرى، وقد جهّز الملك فاروق الجيوش لتتقدم نحو دولة فلسطين للتواجه وجهاً لوجه مع جيش الاحتلال الإسرائيلي على أرض دولة فلسطين.
حيث وإبّان الأحداث، كانت مصر مملكة دستورية يَبلُغ تعداد سكانها حوالى 20 مليون نسمة، وكانت قد حصلت للتو على استقلالها (في عام 1936)، وتتمتع في الأمم المتحدة بصفة دولة كاملة العضويّة مثل دول حلفاء الحرب العالمية الثانية.
هذا وقد كانت تُسيطِر على السّياسة المصرية القضايا المُتعلّقة بالقومية العربية التي هزت الشرق الأوسط مُنذ نهاية الثلاثينيات، فقد شهدت البلاد نزاعًا دبلوماسيًا وسياسيًا مع المملكة المُتّحدة حول قضية جنوب وادى النيل (السودان)، وحول قضية وجود القوات والقواعد البريطانية على أراضيها، وفي الثامن من يوليو 1947، تمّ إحالة القضية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وعلى الصّعيد الداخلي، كان على الحكومة المصرية آنذاك مواجهة القَوميّة الإسلامية للإخوان المسلمين، وكذلك الضغط الشعبي الموالى للقضية الفلسطينية، وقد ربطت الحكومة المصرية علاقات بالحركات الصهيونيّة حتى نوفمبر1947، وكانت مصر بالطبع داعمة للقضية الفلسطينة، ولاسيّما أنّ المُفتى العام لفلسطين كان قد طلب اللجوء إلى القاهرة، لكنّها كانت في الأساس تتصدّى لأطماع الملك عبد الله في فلسطين، إلّا أنّ مصر لم تكُن مجهزة لخوض الحرب أو المواجهة العسكرية لخطة التقسيم، ولم تكن تتأهب لأى تدخل، وقد ظلت القوات في حالة الاحتياط للحفاظ على الأمن الداخلي فقط، والإبقاء على قنوات الاتصال.
حيثُ كان رئيس الأركان المصري في ذَلك الوقت محلّ ثِقة، ففِى مُباحثات له مع الملك فاروق، شهد بأنّ الجيش المصري على استعداد تام للقتال، مؤكدًا أنه ” لن يكُون هناك حرب مع اليهود، وأنّه سيكُون مُجرّد استعراض للقوة دون أدنى تعرض للمخاطر، وأن جيشنا سيصلُ إلى تل ابيب في أقل من أسبوعين” في حين أنه في الواقع، لم يكن الجيش مستعدًا، ولم يكن يمتلك حتى خرائط لفلسطين، وكانت مصر تمتلك جيشًا نظاميا يتراوح عدده ما بين 35 ألف و 45 ألف فرد، قام بإعداده البريطانيون، ومع ذلك، وفقا لما ذكره شهد بأن الجيش المصري يمتلك إمكانات فقيرة ” ولا يمكن جديًا اعتباره قوة غزو”.
حيثُ وكانت فرق الجيش المصري مقسمة إلى ثلاثة ألوية مُشاه، ولواء مُدرّع يضُم حوالى 50 دبابة، وثلاث كتائب مدفعية مجهزة بمدافع هتزيوار طراز 65، كما كان يمتلك سلاحًا جويًا مقسمًا إلى خمسة أسراب يضم قاذفات، عدد : 12 طراز Spitfire LF9، و 8 طراز Spitfire V، و 9 طراز Anson، و 7 طراز C-47، و 12 طراز Harvard، و 2 طراز Dove، و 10 طرازMagister، و 100 قاذفات قديمة طراز Westland Lysenders تستخدم لشن الهجمات على الأرض والتواصل مع مراكز القيادة، هذا بالإضافة إلى طائرات عديدة من جميع الأنواع، ولكِن ليسَت مُقاتلة، وقَبل الرابع عشر من مايو عام 1948 بأيام قليلة، أصدر الملك فاروق أوامره بمشاركة مصر في الحرب دون استشارة حكومته، فقد أصدر أوامره مباشرة إلى قيادات الجيش، وكانت القوة المصرية تضُمّ بشكل أساسى ستة آلاف فرداٍ مقسمين إلى لواءين، إلى جانب العديد من الوحدات المُتطوّعة التي يبلغ عددها ألفي فردٍ، فارتفع بذلك، إجمالى عدد القوات المصرية، وقت العملية يوآف، إلى 22 ألف فرد.
سوريا ولبنان والسعودية
الدول الثّلاث أو التحالف الثلاث ما بَين لبنان وسوريا والمَملكة العربية السعودية كان لها موقف مُوحّد تجاه دولة فلسطين والاحتلال الخاص بِها، وعلى هذا نجد أنّ قوة التأثير في هذه القوة العربية المشتركة كانت نابعة من الوحدة والقرار الموحد بين هذه الدول.
حيث وقد كان تِعداد سوريا ،في ذلك العهد، يَبلُغ 3 مليون نسمة، وكانَت قد حصلت على استٌقلالها في السابع عشر مِن شهر يوليو عام 1946 عقب انتهاء الانتداب الفرنسي، وكان الوضع فيمصر وسوريا متشابهًا إلى حدٍ كبير، فقد كانت السياسة الداخلية بسوريا يغلب عليها القضايا المتعلقة بحركة القومية العربية، إلا أنها كانت ترتاب بشكلٍ واضح من الأهداف التوسعيةللأسرة الهاشمية سواء تجاه فلسطين أو تجاه سوريا نفسها. وكان رئيسها شكري القواتلى مقربًا للنظام في المملكة العربية السعودية وكذلك لمفتى فلسطين المعظم، كما كان ينتمى لتيار القومية العربية المناهض للأسرة الهاشمية. قررت سوريا التدخل في النزاع، وكان تورطها يتسم بطابع خاص، حيث أقامت على أراضيها، في ضواحي دمشق، معسكرات لتدريب قوات جيش التحرير العربي و استخدمت وضعها بصفتها دولة ذات سيادة لشراء الأسلحة من السوق الدولي.
وعلى الغرار نجد لبنان، فقد بلغ عدد سكانها، في ذلك الوقت، ما يقرب من 1.2 مليون نسمة، و كان تعداد المملكة العربية السعودية أقل من نصف مليون نسمة، وقد اشترك كل منهما في النزاع في إطار التزاماتهما العربية، ولكن نظرًا لصغر عدد جيوشهما لم يضطلعا سوى بدورٍ ثانوي، وكان لفرنسا الفضل في تكوِين جيش كل من سوريا ولبنان إبان فترة الحماية على تلك المنطقة، ولم تكن تلك الجيوش في ذلك الوقت على درجة كبيرة من التقدم ، فقد بلغ إجمالى عدد الجيش اللبناني حوالي 3500 فرد موزعين على أربعة ألوية مشاه فرقة ميكانيكا، مُعزّز بوحدات من سلاح الفرسان وببعض قطع المدفعية، أما القوات السورية، فقد بلغ إجمالى عددها حوالي 10000 فرد، إلا أنها كانت تمر بمرحلة انتقالية تحولت فيها من تنظيم قديم على هيئة قوات الحرس الوطنى (الدرك ) وسلاح الفرسان، إلى تكوين فرقة مُشاة، بيد أنّ القُدرة القتالية كانت نتيجة لذللك لوائين فقط من الألوية الثلاثة، وكانت القوات السورية معززة بكتيبة ميكانيكا تتألف من دبابات (قديمة) من طراز فرنسي وعشرينطائرة تدريب تم تحويلها إلى طائرات قاذفة ومقاتلة. كما أرسلت سوريا لواء من المشاة معززًا بسرية من الدبابات وبسريتين من العربات المدرعة و أربعة وعشرين قطعة مدفعية، وحوالى خمسة ألاف فرد. وفي العاشر من مايو ، أعلنت الحكومة اللبنانية عدم مشاركتها في العمليات العسكرية، مما أرغم القادة السوريين والعراقيين علي إعادة النظر في خططهم، أما المملكة العربية السعودية فقد أرسلت فرقة مكونة من 800 رجل مقسمين إلى ثلاث كتائب تمركزت في العقبة للانضمام إلى القوات المصرية خلال الهجوم.