في ذاك اليوم الذي تَشاركت فِيه الكثير من الدول العربية لِزجّ إيران في الزاوية، فقَد كانت الجيوش العربية المشاركة في حرب الخليج تتحيّن الفرصة المُناسِبة للإنقضاض على مَعقِل الشيعة ذاك، فكَم من حلم يُراود مثل هذه الحكايات، حكايات الماضي والتغني بها والتغزّل على مفارقاتها التي لسوف تندهش حين تعمل تفاصيلها، فكل دولة من هذه الدول العربية شاركت بالفِعل في حرب الخليج، تلك الحرب العملاقة التي أكَلت الأخضر واليابس بطَرفة عين، ولتبقى الجيوش العربية المشاركة في حرب الخليج مُخلّدة في الذاكرة.
ما هي حرب الخليج
مِمّا لاشكّ فِيه أنّ حرب الخليج من الحروب الحديثة القديمة التي تمّ استخدام الكثير من الأسلحة فيها، ويُذكر أنّ القوة المُفرِطة في التعامل مع هذه الحرب هي الصبغة المُصطبغة بها هذه المَعركة الكبيرة التي باتت مُدوّنة بكلمات كبيرة في كتب التاريخ، حيثُ أنّ حرب الخليج الثانية حربٌ اندلعت في 17 يناير 1991م بين النظام العراقي من جهة، وتحالف 39 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، وقَد اتّخذت هذه الحرب ساحتها في كُل من العراق والكويت اللتين تقعان في الطرف الشمالي من الخليج العربي، قامت هذه الحرب بسبب عدم امتثال القيادة العراقية لقرارات الأمم المتحدة بشأن الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس عام 1990م.
كما ومن أبرز الدّول العربية التي ضمها التحالف هي المَملكة العربية السعوديّة والبحرين والإمارات وقطر وعمان، ومصر، وسوريا، والمغرب، وعَلى الصعيد العالمي، قامَت كُل من بريطانيا وفرنسا بدور بَارز في هذه الحرب إلى جانب الولايات المُتّحدة الأمريكية، وقد تمثل دور الأُمَم المتحدة بشكلٍ حاسم في القرار الذي أصدره مجلس الأمن في نوفمبر 1990م الذي دعا لاستخدام أي وسِيلة تُمكّن من إخراج العراق من الكويت ما لم ينسحب منها بشكلٍ سِلمي في موعد أقصاه يوم الثلاثاء 15 يناير 1991م، هذا وقد قام النظام العراقي باحتلال الكويت بعد فشل مفاوضات عديدة بَين البلدين، وبدأ هذا العمل تهديدًا مباشرًا للمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، وبخاصة بعد أن احتشدت القوات العراقية على حدود المملكة العربية السعودية واخترقت قطاعات منها بعض الأراضي السعودية في المنطقة الشمالية، لذلك تشكل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لتدارك هذا التهديد، وللتصدي لاحتلال العراق للكويت، لما لم يستجب العراق للقرارات الدولية، وعلى إثر انتهاء فترة الإنذار في 15 يناير 1991م شنت قوات التحالف الدولي هجومها الجوي، وتمكّنت من تعطيل الرادارات والمقاومات الأرضية العراقية كما تمكنت من تدمير القواعد الجوية وأهمّ المرافق والمنشآت العسكرية والحيوية والصناعية في العراق، واستطاعت تحقيق انتصار مبكر في الحرب الجوية.
حيثُ وبَعد خمسة أسابيع من القصف المُتواصل شنّت دول التحالف حربًا بريّة كانت ساحتها أرض الكويت وجنوبي العراق، وقَد بدت مُقاومة الجيش العراقي ضعيفة جدًا، ولم يدم ذلك الزّحف سوى مائة ساعَة استسلم بعدها الجيش العراقي ووافق على وقف إطلاق النار.
اسباب حرب الخليج
لكُل شيء سبب، والأسبَاب من المُمكِن أن تختلِف أو تتشابه، ولكن تَبقى في النهاية هدف تمّ الوصول إليه من خلال العديد من الوسائل سواء السلبية أو الإيجابية، وهذا الامر متعارف عليه وهو ما ينطبق على الاسباب التي أودت لحُدوث حرب الخليج.
- أعلن العراق أكثر من مرّة بأن الكويت جزء من أراضيه، مشيرًا إلى أن الكويت كانت في القَرن الثامن عشر الميلادي جزءًا من ولاية البَصرة التابعة للحكم العثماني، وعِند انتهاء السيطرة التركية على العِراق في أوائل القرن العشرين لم تعد الكويت جزءًا من تلك الولاية، ثُمّ وقع كل من العراق والكويت تحت الانتداب البريطاني، حتى استقل العراق عام 1933م، والكويت عام 1961، غير أنّ العراق لم يعترف باستقلال الكويت إلا عام 1963م، ولكن ذلك الاعتراف لم يُنهِ النزاع حول الحدود المشتركة بين البلدين.
- بعد الحرب العراقية الإيرانية، وقَع خلاف بين الحكومة العراقية، وحكومة الكويت حول الديون المستحقة لدولة الكويت والتي كان العراق يطالب بإلغائها، وحول المساعدات التي يحتاجها العراق من الكويت لإعادة بناء اقتصاده.
- ولربما يكون الشعور بالقوة العسكرية بعد وقف إطلاق النار في حرب الخليج الأولى من بَين الأسباب التي شجعت النظام العراقي على القيام باحتلال الكويت، ومِمّا لا شك فِيه أن استيلاء الحكومة العراقية على نفط الكويت وثرواته سيؤدي إلى تعزيز وضع العراق داخل مُنظّمة أوبك، وإلغاء القسم الأكبر من الديون المترتبة عليه. ومن ناحية أخرى، فإن موقع الكويت على ساحل الخليج العربي وحيازتها لمرفأ ممتاز وشاطئ طويل مفتوح على الخليج تمثل وضعًا استراتيجيًا ممتازا ومنفذًا مهمًا للعراق.
موقف العرب والعالم من احتلال الكويت
تباينت ردود الأفعال بعد أن أقدَم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على إحتلال الدولة الكويتية الشقيقة له والذي كان يزعم آنذاك أنّ هذه الدولة الكويتية هي امتداد للعارق وله الاحقية الكاملة بان يسيطر عليها وأن يحكُمها حكم بموجه يتم الإمتثال إلى سلطة العراق.
حيثُ وقَد صدرت إدانات فورية عربية ودولية ضد غزو العراق للكويت من العديد من الدول، كما صدرت قرارات عديدة من مجلِس الأمن، وجامعة الدول العربية وبعض المنظمات الدولية الأخرى مُطالبة بالانسحاب الفوري للقوات العراقية من الكويت إلا أن النظام العراقي رفض تغليب صوت العقل، كما وفي نيويورك، اجتمع مجلس الأمن وأصدر قرارًا يندد بالاحتلال العراقي، وفي 6 أغسطس 1990م صدرت قرارات من مجلس الأمن الدولي فرضت عقوبات على العراق وحظرت التعامل معه إلا في المواد الطبية والغذائية وفي ظروف محددة. وفي الشهر نفسه، أعلنت الولايات المُتحدة عن إرسال جنودها إلى منطقة الخليج. ولم يمض وقت طويل حتى تشكل ضد العراق التحالف الذي أطلق عليه عاصفة الصحراء وضم تسعًا من الدول العربية، من بينها الكويت، وثلاثين دولة غير عربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا وفي رد فعل مُباشر على احتشاد القوات الدولية على الحدود الكويتية والعراقية قامت السلطات العراقية في مُنتصف أغسطس باحتجاز الأجانب في كل من العراق والكويت ونقلهم إلى منشآت عسكرية وصناعية ليكونوا دروعًا بشرية ضد هجمات دول التحالف في حال اندلاع الحرب. وفي منتصف ديسمبر 1990م، أطلق النظام العراقي، جميع الرهائن الأجنبية تحت ضغوط شديدة من بعض الدول ومن بينها دول عربية، واستمرت السلسلة وفي 29 نوفمبر 1990م، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا طالب فيه باستعمال جميع الوسائل الضرورية لإخراج القوات العراقية من الكويت إذا لم ينسحب العراق منها في 15 يناير 1991م. لكن جيوش النظام العراقي لم تنسحب من الكويت، ووقعت الحرب التي تركت نتائج سياسية واقتصادية مؤذية للشعب العراقي خاصة وللشعب العربي بوجه عام.
خسائر حرب الخليج
الخسائر هي الضّحايا والمُمتلكات التي تمّ القضاء عليها بقصد أو بدون قصد في الحرب الضروس التي أقدمت عَليها أحد الدول او أحد الزعماء، وهذا هو المعلوم بشكلٍ عام، والمعلوم بشكل خاص هو ما يتمّ تسليط الضوء عليه ضمن حرب الخليج التي تتدحرج فيما يلي.
حيثُ وقَد أفادت تقارير اقتصادية عربية صدرت في عام 1992 بأن الخسائر المادية التي لحقت بالاقتصاد وطنيجة غزو العراق للكويت بلغت نحو 620 مليار، دون حساب الآثار البعيدة المدى. وتأتي الكويت والعراق في مُقدمة المتضررين من ذلك الغزو الذي وجه صدام حسين “رسالة اعتذار” عنه إلى “الشعب في الكويت” يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 2002.
- خسائر دولة الكويت: تسبب الغزو العراقي في خسائر بشرية ومادية فادحة للكويت، وحسب الأرقام الرسمية الكويتية فإن الغزو أدى إلى مقتل 570 شخصا ونحو 605 من “الأسرى والمفقودين”، وخلف خسائر وأضرارا هائلة تمثلت في إشعال 752 بئرا نفطية مما أنتج كوارث بيئية جسيمة وأوقف إنتاج النفط مدة طويلة، هذا وقد قالت “الهيئة العامة لتقدير التعويضات” بالكويت -في إحصائية لها عام 1995- إن الخسائر الثابتة للكويت من الغزو العراقي بلغت 92 مليار دولار، إضافة إلى تدمير البنية التحتية في البلاد والمؤسسات والمنشآت الحكومية ومصادرة وثائق الدولة وأرشيفها الوطني.
- خسائر العراق: تعرض العراق خلال مدة الحرب البالغة 40 يومًا للقصف بأكثر من مائة ألف طن من المتفجرات، بمَا في ذلك مئات الأطنان من ذخائر اليورانيوم المنضّب، وهو ما أدّى إلى سقوط ما بين سبعين ومئة ألف قتيل في صفوف الجيش العراقي (مقابل 505 جنود من قوات التحالف، 472 منهم أميركيون)، وجرح قرابة 300 ألف جندي، وأسر ثلاثين ألفا آخرين، بل وإضافة إلى ذلك خسر العراق من مقدراته العسكرية: أربعة آلاف دبابة، و3100 قطعة مدفعية، و240 طائرة (وأودع قبيل اندلاع الحرب 144 طائرة أمانة لدى إيران)، و1856 عربة لنقل القوات. وتم تدمير دفاعاته الجوية ومراكز اتصالاته وقواعد إطلاق صواريخه ومراكز أبحاثه العسكرية وسفنه الحربية في الخليج، وكما دمّر القصف الجوي مرافق البنية التحتية العراقية مثل المدارس والمعاهد والجامعات، ومراكز الاتصالات والبث الاذاعي والتلفزيوني، ومنشآت تكرير وتوزيع النفط والموانئ، والجسور والسكك الحديدية، ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وتصفية المياه. وبلغ عدد المنشآت الحكومية التي دمرت تدميرا كاملا 8230 منشأة، والمنشآت التي تضررت ضررا جزئيا أكثر من 2000، إضافة إلى أكثر تدمير أو تضرر من 20 ألف وحدة سكنية وتجارية أهلية، حيث وقد جمّد مجلس الأمن الدولي مبالغ كبيرة من الأرصدة العراقية في البنوك العالمية لدفع التعويضات للمتضررين نتيجة الغزو (نحو مئة دولة ومنظمة دولية في مقدمتها الكويت) المقدرة بـ52 مليار دولار، وفرض اقتطاع نسبة 5% من عوائد بغداد النفطية لدفع هذه التعويضات، ولكن أشد آثار الحرب تدميرا للعراق تجلت في مضاعفات الحصار الذي فُرض عليه بمجموعة من قرارات استصدر مجلس الأمن الدولي (خاصة القرارات 661 و665 و670) التي حولت نظام العقوبات إلى حصار وطن وقاسٍ دام أكثر من 12 عاما.وكان من نتائج هذا الحصار انخفاض الناتج المالي الإجمالي في العراق إلى ما لا يزيد على ثلث المستوى الذي بلغه قبل عام 1991، وتدمير البنى التحتية الاقتصادية والصناعية للعراق بواسطة القصف الأميركي البريطاني المستمر حتى بعد انتهاء الحرب، وموت أكثر من مليون طفل عراقي دون سن الخامسة نتيجة لسوء التغذية وضعف الخدمات الصحية التي خلفها الهجوم العسكري والحصار المستمر.