اقوال السلف عن نعم الله سُبحانه وتعالى، حيثُ أنعَم الله عز وجل بنعمٍ كثيرة على الانسان، فخلق الله تبارك وتعالى الإنسان في أحسنِ صُورة ونفَخ فيه الروح وسخّر له الكون بكل ما فيه لخِدمته، ومهّد له الأرض كي يعيش عليها وجعلها قابلة للحياة بكل ما فيها من أنهار وبِحار جبال وسُهول ومحيطات، وكَتب له الرزق من الحِرف والأعمال التي يُجنِى منها المال، وأرسَل له الرُّسل والأنبياء مُنذِرين ومُبشرين لأجل هِدايته لطريق الحق وعبادة الله، حيثُ قال تبارك وتعالى: “اليومَ أكمَلتُ لكُمْ دِينَكُم وأتمَمتُ عَليكُم نِعمَتي ورَضِيت لكُم الإسلام دينًا”، في هذا فهرس نُقدّم بعضًا من اقوال السلف عن نعم الله.

اقوال السلف الصالح عن نعم الله

من نِعم الله عز وجل على الإنسان أنّه خَلق له الشمس لينتفع بنُورها ودفئ حرارتها، والقمر ليزيح عَتمة الليل، وخلق الإبل والجمال ليأكُل من لحمِها وينتفع من حليبها، وخلق له الأشجار لكي يستظل بظلها من حر الشّمس ويؤدي وظيفته وهي عبادته تبارك وتعالى، فنعم الله كثيرة غير محصورة وقال عنها السلف الصالح الكثير من الأقوال اخترناها لكُم في هذا فهرس.

  • عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: رأيت في يد محمد بن واسع قرحة، فكأنه رأى ما قد شق علي منها؛ فقال لي: تدري ما علي في هذه القرحة من نعمة؟ قال: فسكت؛ قال: حيث لم يجعلها على حدقتي، ولا على طرف لساني، ولا على طرف ذكري؛ قال: فهانت علي قرحته.
  • عن ابن جابر، أن أبا عبد رب كان من أكثر أهل دمشق مالاً؛ فخرج إلى أذربيجان في تجارة، فأمسى إلى جانب مرعى ونهر، فنزل به؛ قال أبو عبد رب: فسمعت صوتاً يكثر حمد الله، في ناحية من المخرج، فاتبعته، فوافيت رجلاً في حفير من الأرض، ملفوفا في حصير؛ فسلمت عليه، فقلت: من أنت يا عبد الله؟ قال: رجل من المسلمين؛ قال: قلت: ما حالتك هذه؟ قال: نعمة يجب علي حمد الله فيها؛ قال: قلت: وكيف، وإنما أنت في حصير؟ قال: ومالي لا أحمد الله: أن خلقني، فأحسن خلقي، وجعل مولدي ومنشئي في الإسلام، وألبسني العافية في أركاني، وستر على ما أكره ذكره أو نشره؛ فمن أعظم نعمة ممن أمسى في مثل ما أنا فيه؟ قال: قلت: رحمك الله، إن رأيت أن تقوم معي إلى المنزل، فأنا نزول على النهر ههنا؛ قال: ولمه؟ قال: قلت: لتصيب من الطعام، ولنعطيك ما يغنيك من لبس الحصير؛ قال: ما بي حاجة؛ قال الوليد: فحسبت أنه قال: إن لي في أكل العشب كفاية عما قال أبو عبد رب؛ فانصرفت، وقد تقاصرت إلى نفسي، ومقتها، إذ أني لم أخلف بدمشق رجلاً في الغنى يكاثرني، وأنا ألتمس الزيادة فيه؛ اللهم، إني أتوب إليك من سوء ما أنا فيه؛ قال: فبت، ولم يعلم إخواني بما قد أجمعت به؛ فلما كان من السحر: رحلوا، كنحو من رحلتهم فيما مضى، وقدموا إلي دابتي، فركبتها، وصرفتها إلى دمشق؛ وقلت: ما أنا بصادق التوبة إن أنا مضيت في متجري؛ فسألني القوم، فأخبرتهم، وعاتبوني على المضي، فأبيت؛ قال: قال ابن جابر: فلما قدم، تصدق بصامت ماله، وتجهز به في سبيل الله؛ قال ابن جابر: فحدثني بعض إخواني، قال: ما كست صاحب عباء بدانق في عباءة، أعطيته ستة، وهو يقول سبعة؛ فلما أكثرت، قال: ممن أنت؟ قلت: من أهل دمشق؛ قال: ما تشبه شيخاً وفد علي أمس، يقال له: أبو عبد رب، اشترى مني سبعمائة كساء، بسبعة سبعة، ما سألني أن أضع له درهماً، وسألني أن أحملها له؛ فبعثت أعواني، فما زال يفرقها بين فقراء الجيش، فما دخل إلى منزله منها بكساء.
  • عن إبراهيم بن أدهم قال: من الله عليكم بالإسلام، فأخرجكم من الشقاء إلى السعادة، ومن الشدة إلى الرخاء، ومن الظلمات إلى الضياء؛ فشبتم نعمه عليكم بالكفران، ومررتم بالخطأ حلاوة الإيمان، ووهنتم بالذنوب عرى الأيمان، وهدمتم الطاعة بالعصيان؛ وإنما تمرون بمراصد الآفات، وتمضون على جسور الهلكات، وتبنون على قناطر الزلات، وتحصنون بمحاصن الشبهات؛ فبالله تغترون، وعليه تجترؤن، ولأنفسكم تخدعون؟ ولله، لا تراقبون، فإنا لله، وإنا إليه راجعون.
  • قال يزيد الرقاشي: خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها، وإن لم يعمل بها؛ فإن الله تعالى يقول: { يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } . ألا تحمد من تعطيه فانياً، فيعطيك باقياً؟ درهم يفنى بعشرة، تبقى إلى سبعمائة ضعف؛ أما لله عندك مكافأة؟ مطعمك، ومسقيك، وكافيك، حفظك في ليلك، وأجابك في ضرائك؛ كأنك نسيت وجع الأذن، أو ليلة وجع العين، أو خوفاً في بر، أو خوفاً في بحر: دعوته، فاستجاب لك؛ إنما أنت لص من لصوص الذنوب، كلما عرض لك عارض عانقته؛ إن سرك أن تنظر إلى الدنيا، بما فيها من ذهبها وفضتها وزخارفها، فهلم أخبرك تشيع جنازة، فهي الدنيا بما فيها، من ذهبها وفضتها وزخارفها، ثم احتمل القبر بما فيه؛ أما إني لست آمرك أن تحمل تربته، ولكن آمرك أن تحمل فكرته.
  • جاء رجل إلى يونس بن عبيد، فشكا إليه ضيقاً من حاله ومعاشه، واغتماما منه بذلك؛ فقال له يونس: أيسرك ببصرك هذا الذي تبصر به: مائة ألف؟ قال: لا؛ قال: فسمعك الذي تسمع به، يسرك به مائة ألف؟ قال: لا؛ قال: فلسانك الذي تنطق به، مائة ألف؟ قال: لا؛ قال: ففؤادك الذي تعقل به، مائة ألف؟ قال: لا؛ قال: فيداك، يسرك بهما مائة ألف؟ قال: لا؛ قال: فرجلاك؟ قال: فذكره نعم الله عليه. فأقبل عليه يونس، قال: أرى لك مئين ألوفاً، وأنت تشكو الحاجة.
  • عن عون بن عبد الله بن عتبة قال: الخير من الله كثير، ولكنه لا يبصره من الناس إلا يسير، وهو للناس من الله معروض، ولكنه: لا يبصره من لا ينظر إليه، ولا يجده من لا يبتغيه، ولا يستوجبه من لا يعلم به؛ ألم تروا إلى كثرة نجوم السماء؟ فإنه لا يهتدي بها إلا العلماء.
  • عن الهيثم بن مالك قال: كنا نتحدث عند أيفع بن عبد ـ وعنده أبو عطية المذبوح ـ؛ فتذاكروا النعم، فقالوا: من أنعم الناس؟ فقالوا: فلان، وفلان؛ فقال أيفع: ما تقول يا أبا عطية؟ فقال: أنا أخبركم من هو أنعم منه: جسد في اللحد، قد أمن من العذاب؛ قال بقية: وقال لي صفوان بن عمرو: قال: جسد في التراب، قد أمن من العذاب، ينتظر الثواب.
  • كتب بعض عمال عمر – بن عبد العزيز – إليه، يقول في كتابه: يا أمير المؤمنين، إني بأرض قد كثر فيها النعم، حتى لقد أشفقت على من قبلي من أهلها: ضعف الشكر؛ فكتب إليه عمر: إني قد كنت أراك أعلم بالله مما أنت، إن الله لم ينعم على عبد نعمة فحمد الله عليها، إلا كان حمده أفضل من نعمه، لو كنت لا تعرف ذلك إلا في كتاب الله المنزل، قال الله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ } [النمل:15]. وأي نعمة أفضل مما أوتي داود وسليمان؟ وقال الله تعالى: { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا } [الزمر:73]، إلى قوله: { وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ } [الزمر: 75]. وأي نعمة أفضل من دخول الجنة .
  • قال وهب بن منبه: عبد الله عابد خمسين سنة، فأوحى الله إليه: أني قد غفرت لك؛ قال: أي رب، وما تغفر لي، ولم أذنب؟ فأذن الله لعرق في عنقه، فضرب عليه، فلم ينم، ولم يصل؛ ثم سكن فنام؛ فأتاه الملك، فشكا إليه؛ فقال: ما لقيت من ضربان العرق؛ فقال الملك: إن ربك يقول: عبادتك خمسين سنة، تعدل سكون هذا العرق.
  • عن وهب بن منبه قال: رؤوس النعم ثلاثة: فأولها: نعمة الإسلام، التي لا تتم نعمة إلا بها؛ والثانية: نعمة العافية، التي لا تطيب الحياة إلا بها؛ والثالثة: نعمة الغنى، التي لا يتم العيش إلا بها.
  • عن سفيان بن عيينة قال: ليس من عباد الله أحد، إلا ولله الحجة عليه؛ إما في ذنب، وإما في نعمة مقصر في شكرها.
  • اكروا: أي النعم أفضل؟ فقال رجل: ما ستر الله به بعضنا عن بعض؛ قال: فيرون أن قول ذلك أرجح.
  • عن أبي عصمة قال: شهدت فضيلاً وسفيان يلتقيان في المسجد الحرام بعد المغرب؛ فما يتذاكران إلا النعم، حتى يفترقا؛ يقول فضيل لسفيان: يا أبا محمد، ألا عمل بنا كذا.
  • عن أحمد بن أبي الحواري قال: قلت لأبي معاوية الأسود: يا أبا معاوية، ما أعظم النعمة علينا في التوحيد، نسأل الله أن لا يسلبناه؛ قال: يحق على المنعم أن يتم على من أنعم عليه.
  • عن سفيان بن عيينة قال: ما أنعم الله على العباد نعمة، أفضل: من أن عرفهم لا إله إلا الله؛ فإن لا إله إلا الله: لهم في الآخرة، كالماء في الدنيا.
  • عن راشد بن سعد أنه قيل له: ما النعيم؟ قال: طيب النفس؛ قيل: فما الغنى؟ قال: صحة الجسد.
  • عن الحسن قال: السهو والأمل: نعمتان عظيمتان على بني آدم.
  • عن أبي حازم – سلمة بن دينار – قال: كل نعمة لا تقرب من الله عز وجل، فهي بلية.
  • عن مجاهد في قوله تعالى: { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } [لقمان:20]. قال: أما الظاهرة: فالإسلام، والرزق؛ وأما الباطنة: فما ستر من العيوب والذنوب.
  • عن سلام بن أبي مطيع قال: متى شئت أن ترى من النعمة عليك: أكثر منها عليه رأيته.ياء
  • عن سلام قال: إي والله، إن أغلقت عليك بابك: جاءك من يدق عليك بابك، يسألك؛ ليعرفك الله نعمته عليك.
  • عن يزيد بن ميسرة قال: أحسنوا صحابة نعم الله؛ فوالله، ما أنفرها عن قوم فكادت ترجع إليهم.
  • عن سفيان الثوري قال: ما كان الله لينعم على عبد في الدنيا، فيفضحه في الآخرة؛ ويحق على المنعم: أن يتم على من أنعم عليه.
  • وعنه في قوله: { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ } [لأعراف: 182]. قال: نسبغ عليهم النعم، ونمنعهم الشكر.
  • عن عمرو بن مرة قال: كان داود ـ النبي ـ عليه السلام يقول: يا رب، كيف أحصي نعمتك، وأنا نعمة كلي؟
  • عن أبي يحيى الزهري قال: قال عبد الله بن عبد العزيز العمري عند موته: نعمة ربي أحدث: أني لم أصبح أملك على الناس إلا سبعة دراهم ملكتها يدي، ونعمة ربي أحدث: لو أن الدنيا أصبحت تحت قدمي، لا يمنعني من أخذها، إلا أن أزيل قدمي ما أزلتها.