تحليل قصيدة سرنديب للشاعر محمود سامي البارودي  والتي يوصف بها الشعور المؤلم في داخله وهو شعور المنفى بعد ان شارك في الثورة ضد الاستعمار الانجليزي وقاموا بنفيه الى جزيرة سرنديب التي قضى فيها سبعة عشر عاما حتى تم اعفائه عام 1900ميلادي، ويفتخر في هذه القصيدة بانه بطل لا تنهزم روحه ابدا، وانه لشرف كبير ان يشارك في الحركة الوطنية التي اراد بها ان يرضى الله عنه وينصر الحق، ويستعيد في القصيدة ذكرياته في الوطن الذي رفض الظلم وتتطلع للحرية والمجد، لهذا في مقالنا سوف نقوم بشرح وتحليل قصيدة سرنديب للشاعر محمود سامي البارودي.

الشاعر محمود سامي البارودي

الشاعر المصري من اصل جركسي ذو جاه وثروة، وقد كفلته امه بعدما توفى والده، واهتمت بترتبيته وتعليمه، وقد تثقف اسلاميا وقرأ الشعر، وقد اتصل بالشعراء القدماء الامر الذي كان له تاثير كبير في المزاج والخيال والعقل والقلب، وكان للشيخ حسن المرصفي اثر كبير على شعر البارودي، حيث كان موجها ومشجعا لموهبته، وتاثر ايضا بالعوامل المؤثرة في شعره، فقام بكتابة الاداب الفارسية والتركية، واخيرا في الاداب الانجليزية، واستطاع البارودي ان يكون رائد مدرسة الاحياء مما كان له فضل في التحول بالشعر العربي الحديث.

قصيدة سرنديب

كفى بمقامي في ســــرنديب غربة ……. نزعت بها عنـــي ثياب العلائـــقِ
ومن رام نيل العزّ فليصطبر على……… لقاء المنايا واقتــــحام المضايــــــقِ
فإن تكــن الأيام رنّـقْـــن مشربــي ……وثلّمْـن حدّي بالخُطُـــــوب الطّوارقِ
فما غيّرتني محْنةُ عن خليقتـــــي ……ولا حوّلتني خُــدْعـــــةُ عن طرائقـي
ولكنّنــي باقٍ على ما يســـــــرٌني ….. ويُغضب أعدائي ويُرضــي أصادقي
فحســرةُ بعدي عن حبيبٍ مُصادق ….. كفرحة ِ بُعــــدي عن عدوِ مُمَــاذِ قِِ
فتلك بهـــــذي والنًجاة غنيمـــــــةُ …… من الناس , والدنيا مكيدة حـــــــاذقِ
ألا أيــــها الـــــزّاري عليّ بجـهله……ولم يدرِ أنّـــي دُرًةُ في المفـــــــارقِ
تعـــزّ عن العليــاءِ باللؤم واعتزل….. فإنً العُــلا ليســتْ بلغــــو المناطقِ
فما أنا ممّنْ تقبل الضيْم نفســـــــه ….. ويرضى بما يرضــــى به كل مائقِ
إذا المرء لم ينهضْ بما فيه مجدُهـ…. قضى وهو كَلٌ في خُـــــدُورِ العوائقِ
وأيٌ حيــــــــاةٍ إنْ تنكًرَتْ ….. له الحال لم يعقــــــــدْ سيُور المناطقِ
فما قذفاتُ العِــــــــــزْ إلّاـ لماجـد…..إذا هَمّ جــــــــــلّى عزمــه كلّ غاسقِ
يقول أُناسُ : إنني ثُــرْتُ خالعــاً…. وتلك هَنــــاتُ لم تكْــــن من خلائقـــي
ولكنني نــــاديْتُ بالـعدلِ طالبــاً ….. رضا اللهِ واستنهضْتُ أهل الحقائـــقِ
أمرتُ بمعروفِ وأنكرْتُ مُنكَرا….. وذلك حكـــــمٌ في رقاب الخلائــــــــقِ

التحليل الادبي لقصيدة سرنديب

في البيت الاول والثاني والثالث يصور البارودي حالة المنفى التي عاشها على مر الايام والسنوات التي قضاها في سرنديب وقدرت ب17 عاما وقطعت علاقات الود والحب والارتباط بالاهل والوطن، الامر الذي زاده عزيمة وقوة، وعندما بدات صقور الحزن تناوشه يرتفع صوته ويابئ ويدعوه للثبات على الشدة والتحمل والصبر، لكي لا تفل عزيمته عن المصائب، وهنا يظهر ان الشاعر يشكو طول الغربة والقسوة التي بعدته عن اهله ووطنه، وصور الشاعر محنته وتحمله بالقوة والصبر.

اما في الابيات الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة فيذكر الشاعر عدم خشيته من الامر مهما تعاظم وان سمو اهدافه وطموحاته ونضاله في سبيل مجد بلاده، فسيبقى على سجيته الكريمة التي يحبها ويسعد بها احبته، والتي تعتبر حسرة على العدو، وقد صور الشاعر حسرته على البعد عن احبته ووطنه ببعده عن اعدائه، ليرضى الخلان في مقابل المغنم، والبعد عن هذه الدنيا التي لا سود فيها الا المكائب ونصب الشراك، وهنا في هذه الابيات يفتخر الشارع بسمو اهدافه وسجيته الكريمة.

في البيت الثامن والتاسع والعاشر يوجه البارودي خطابه الى كل من لامه بخروجه على الخديوي ووصفهم بالجهلة لانهم لاموه على الواجب الذي يراه قناة كاللؤلؤة المضيئة في منتصف الشعر وشهرته، ويدعو الى الاستكانة الى ما هم فيه من لؤم، وهذا الامر اجدر بهم من التطاول والتعالي على المراكب باساليب واهية ولغوية لا يمكن ان تبلغ الغاية، فالنفس الابية لا تخضع وترفض الذل والخنوع ولا ترضى الكسل والتواكل كما يفعل الحمقى والاغبياء، وهنا يعرض الشاعر خصومه ورده عليهم من خلال الفخر بالنفس الابية التي لا تقبل الذل والخنوع.

في البيت ال 11 و 12 و 13 يفتخر البارودي بنفسه الشجاعة ويفتخر بعزمه وقوته وثباته من اجل الوصول الى المجد، لان خمول المرء لا يكون له مكان بين الرجال، وهنا يسخر من الضعفاء المتقاعسين من ابناء الوطن، حيث يقول ان من لم يثبت بكل عزيمة من اجل تحقيق المجد والرفعة سيعيش ضعيفا ذليلا بين الجواري ويبحث عمن يحميه من شدائد الحياة وسيبقى دوما متقاعس في مواجهة مصاعب الحياة ومصائبها، فالوصول للمجد والعزة لا يكون الا بالشجاعة التي تسلح النفس بالقوة والعزيمة وبذل الجهد والتعب وسط ظلمة المصاعبة وظلمة القوة وشدتها، وهنا في هذه الابيات يوضح الشاعر سخريته من الضعفاء والمتكاسلين لعدم القدرة على الثبات والقوة عند اشتداد الامور .

 

في الابيات ال14 وال15 وال16 يوضح الشاعر اهدافه التي يدعو بها للمشاركة في الثورة لانها واجب وطني ينادي بالعدل ابتغاء مرضاة الله ونصرة الحق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا حكم في رقاب الخلائق، ويؤكد الشاعر على افتخاره بدوره وعزيمته وقوته لاشتراكه في تلك الحركة الوطنية، وهذا الامر لاستنهاض الشاعر همم ابناء البلاد من اجل الدفاع عن الوطن ومواجهتها بكل عزم.